إذا كان حلم الهجرة حاليا يراود نسبة كبيرة من شباب الجزائر، وإذا كانت الحرفة هي الكلمة السحرية المترددة على ألسن أولئك الشباب وإذا كانت اوروبا الوجهة المفضلة للحرافة هي الجنة الموعودة كما يخيل لهم، فإن ثمة فئة اخرى من الشباب يصارعون أمواج الحياة ومتطلباتها ولكن دون ركوب البحر في مغامرة مجهولة العواقب، وإنما هنا بوطنهم رافضين أن تكون الجنة وراء البحار بل يسخرونها لأنفسهم بتعبهم اليومي· ومثالنا في هذا المقام شاب في ال28 من عمره، كان يحلم مثل أقرانه بالعيش في أوروبا ظنا منه أنها جنة الفردوس، ولكن ليس بطريقة غير شرعية، إلا أن الاقدار غيرت وجهته الى الخليج وبالضبط لإمارة دبي بدولة الإمارات، وهناك كان يستبق الأيام والليالي ليعود الى أحضان أمه الجزائر وما إن عاد حتى أراد ان يحتضن كل شبر فيها· حكاية لزهر خلوفي ابن منطقة بني ورتيلان بولاية سطيف، بدأت في 1998 حينما اخفق في نيل شهادة البكالوريا مرتين فأحيل على البطالة، ليبدأ في التفكير كيف يخرج نفسه من دائرة سؤال مصروف جيبه، من والده فاهتدى الى فكرة العمل فنطازيا على حد تعبيره أي ان يكسب دريهمات في عمل ما، ساقته قدماه لأحد المطاعم حيث كان يغسل الاواني نظير أجر زهيد يغنيه السؤال· وبسبب الأجر الزهيد الذي كان يتقاضاه فكر لزهر مرات عديدة في شراء الفيزا نحو أحدى بلدان اوروبا ثم العيش هناك حرافا معتقدا أن تلك هي الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبله المادي أو العيش في بحبوحة، لكن حكايات الإنتحار الجماعي التي كانت تصل مسامعه عن الحرافين، جعلته يعيد التفكير ملّية، ليصل الى فكرة بل قناعة مفادها ان الجنة أصنعها بيدي وهنا في بلدي، وأعتقد - يقول المتحدث- ان الحرافين لا يبحثون حقيقة عن فرصة عمل وإنما يريدون البرستيج، لأن العمل موجود في الجزائر، أللي حب يخدم يفتح عينيه وبعد غسيل الاواني بالمطاعم اصبح لزهر نادلا بمطاعم العاصمة بعد ان قصدها طلبا للعمل، ثم ساقته قدماه الى مدينة اسطاوالي وهناك تعلم فنون الشاورما - الأكلة التي اصبحت بعد فترة وجيزة قبلة بطون الجزائريين- عند لبناني يمتلك مطعما للأكل الشرقي بالمدينة· لما استحوذت الشاورما وفنون تحضيرها وتقديمها على تفكير لزهر أراد اتقانها عن عمق بأن يقصد بلدا مشرقيا ليعمق معارفه في طرق اعدادها إذ أن فكرة فتح مطعم صغير لحسابه الخاص كانت تختمر حينها في رأسه وفعلا قصد دبي بعد ان جمع مالا لسنوات، قدره الشاب ب30 مليون سنتيم وشد الرحال الى دبي وبعد بحث وجد عملا بمطعم ولكنه عاد أدراجه لوطنه موضحا أن أرباب العمل هناك يستعبدون عمالهم لم أذهب هناك لحاجة وإنما طلبا لصقل موهبتي، ثم تراجعت قائلا في نفسي أستدين في بلدي خير من أن أنزل نفسي للأجنبي- يقول الفتى الذي خسر كل رأسماله وعاد خالي الوفاض الى أهله والخيبة تعلو محياه، ولكنه لم يفقد العزيمة ومن الصفر أعاد بناء نفسه ليصل الى مبتغاه، هو يعمل حاليا بعد الظهر دون كل أو مل اشترى سيارة ثم اخرى ويدخر ليفتح مطعمه ويفكر بالإستقرار بالزواج قريبا وهكذا يستقر به الحال ليختم حديثه إلينا بنصيحة من يحلم بزج نفسه في مغامرة ركوب البحر والانتحار بالحرفة فيقول إبحث عن نفسك ستجدها هنا في بلدك·