انطلاقا من الخوف على حرفة أصيلة من الاندثار، راودتهم فكرة زراعة ''عود الماء'' (ألياف نباتية)، أو المادة الأولية الأساسية لصناعة السلال، وسرعان ما تحولت الفكرة إلى حقيقة، جسدها أصحابها من خلال مؤسسة عائلية بالطاهير في جيجل، تولت إنشاء مشتلة. ''المساء'' اِلتقت بأحد أصحاب هذا المشروع الوحيد على المستوى الوطني مؤخرا، خلال الصالون الوطني للقرض المصغر المنظم برياض الفتح، فكانت الفرصة لتسليط الضوء على بعض جوانبه والصعوبات التي تواجهه. منذ سنة ,2007 تنشط مؤسسة زيداني بولاية جيجل، ودافعها هو الحفاظ على التراث.. وعن نشأة هذه المؤسسة، يقول أحد أعضائها عنتر زيداني، أن عائلته كان لديها محل لعرض المنتجات التقليدية، ومن خلاله، تبين لهم النقص الكبير للمادة الأولية المستخدمة في صناعة السلال، مقابل الطلب الكبير المسجل عليها، لاسيما وأنّها غير متوفرة في الجزائر. فمشكل عدم وفرة هذه المادة الأولية المستوردة وغلائها، والّذي دفع بخطر الاندثار إلى تهديد مستقبل صناعة السلال الأصيلة، حث عنتر زيداني وبعض أفراد عائلته على التفكير في مشروع فريد من نوعه في الوقت الراهن، ألا وهو زراعة ''عود الماء'' المستخدم في صناعة السلال. وتجسيدا للمشروع، كانت الوجهة نحو الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب للحصول على قرض بقيمة 340 مليون سنتيم.. ومنه، تسنى لأصحاب المشروع استئجار قطعة أرض بمساحة 10 هكتارات، لينطلق العمل العائلي الذي جمع خمسة أفراد من نفس العائلة، مع مجموعة تتكون من ثمانية عمال. في حين يرتفع عدد العمال الذين تحتاج إليهم هذه المؤسسة العائلية صيفا لجني المحصول إلى 25 عاملا. استطاعت مؤسسة ''زيداني'' أن تحقق منتوجية تغطي 20 بالمائة من الاحتياج العام، وهي حاليا تلقى طلبيات كبيرة من عدة ولايات.. وفي هذا الصدد، يشير عنتر زيداني بكل ثقة، إلى أن مؤسسته العائلية ساهمت في مواجهة احتكار المادة الأولية لصناعة السلال، لافتا إلى أن المشروع يمكن أن يمضي قدما نحو تحقيق منتوجية تغطي كافة احتياجات السوق، في حال إذا ما تلقت المؤسسة الدعم الكافي من طرف الدولة، لتسهيل أمر امتلاك أفرادها لقطعة أرض، تجنبهم مصاريف الكراء الباهظة. ولا يتوقف نشاط هذه المؤسسة التي تقدم نموذجا عن الشباب الذي استثمر القروض في مشاريع ناجحة، عند حدود إنتاج مادة ''عود الماء''، بل تحافظ أيضا على حرفة صناعة السلال التقليدية، حيث عرض أصحاب المؤسسة خلال الصالون، أنواعا متعددة، منها ما يستعمل لوضع مستلزمات الطفل، جهاز العروس، الخبز وغيرها من أوجه الاستعمال المنزلي والمناسباتي. وتكون السلال عادة من ألياف متداخلة مع بعضها في غاية الدقة، فرغم أنّها لا تتطلب الوقت الكثير، حسب محدثنا، إلاّ أنها تتطلب المهارة، لكنّ هذه الصناعة الشعبية تواجه اليوم تحديا كبيرا يفرضه نقص المادة الأولية، والنزوع إلى الاستيراد من دول الغرب، وهذا الأمر لا يخدم مسعى الحفاظ على الموروث الشعبي الّذي يساعد على إثبات الهوية، بعيدا عن خطر الاندثار في زمن الاستيراد. وبرأي عنتر زيداني، فإنّ الإرادة كفيلة بدفع أفراد المؤسسة إلى تلبية الطلب على المستوى الوطني، وتشجيع المنتوج المحلي للبلاد، بعيدا عن التبعية للغرب.. ويتساءل محدثنا؛ لماذا هذه التبعية التي نستورد بموجبها كل شيء تقريبا، رغم أن الطبيعة في الجزائر توفر لنا كل ما نحتاجه؟ ويبقى أمل هذه المؤسسة الأولى من نوعها في الجزائر -تبعا لتصريحات الحرفي زيداني- معلقا على استجابة السلطات المعنية بالحفاظ على التراث وتشجيع المنتوج المحلي لمطلب إيلاء المزيد من الاهتمام بالمشاريع العائلية، كونها جماعية، ما يخول لها ضمان الاستمرارية، فضلا عن أمل أن يحظى المشروع بالدعم اللازم للوصول إلى المستوى المطلوب وتطوير قدرات الإنتاج، وبالتالي، حماية حرفة صناعة السلال من الزوال.