الوضع الذي وضع فيه الانقلاب العسكري الأخير الدولة المالية وشعبها ينبغي أن يكون درسا عكسريا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا واستيراتيجيا لشعوب القارة الإفريقية خاصة وبلدان الجنوب عامة، لتدرك أن أي خطوة غير محسوبة العواقب على جميع هذه الأصعدة يمكن أن تكون وبالا ليس على المستهدفين من هذه الانقلابات العسكرية فحسب بل وعلى الانقلابيين أنفسهم. وإذا علمنا أن مالي تعد من بلدان القارة الأكثر هشاشة اقتصاديا واجتماعيا، أدركنا المصير الذي انتظر الانقلابيين والمصاعب التي خلفها الانقلاب على السلطة الشرعية من تمرد ومطالبة بانفصال جغرافي واستفحال للأعمال الإرهابية وانتشار للسلاح الذي يغذي الفوضى في منطقة هي من حيث المبدأ عصية على السيطرة بحكم موقعها وشساعة صحرائها وطول حدودها. لقد فتح الانقلابيون في هذا البلد بابا يصعب غلقه في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة بعد انتشار السلاح نتيجة الحرب التي دارت رحاها في ليبيا، كما جاء الانقلاب ليوجه ضربة قاسية لجهود التنمية التي بذلت وتبذل من أجل النهوض بشمال هذا البلد والذي لعبت فيه الجزائر دورا جبارا لقناعتها بأن التنمية وحل المصاعب الاجتماعية للسكان هي الطريق الأمثل لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل بأكملها. واليوم قد أدرك العسكريون خطأهم الاستراتيجي، الذي ما كان أن يقعوا فيه بحكم موقعهم في الدولة ووقفوا على نتائج صنيعهم المأساوية اجتماعيا وأمنيا وانسانيا فهم مطالبون ببذل النفس والنفيس في إطار اتفاق مع المنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (الايكواس) من أجل احتواء هذا الانفلات الذي أدت إليه نزوة غير محسوبة العواقب، بأن يضعوا أنفسهم تحت تصرف قيادة ما بعد الانقلاب رسمية كانت أم مؤقتة لإعادة الاستقرار للبلد والمنطقة.