نظّمت الجمعية الثقافية ''محي الدين ابن عربي''، بالمركز الثقافي ''الصغير بن علي''، بحي البحيرة الصغيرة، اليوم الدراسي الأوّل حول ''شخصية الأمير عبد القادر الجزائري وتأثّره بالمنظومة العرفانية للشيخ محي الدين ابن عربي''، تحت شعار ''بعث التراث البرهاني والعرفاني''، وذلك تزامنا مع الاحتفال بيوم العلم الموافق للسادس عشر من شهر أفريل الجاري. مداخلات قيّمة أثراها أساتذة جامعيون، ناقشوا خلالها العديد من المحاور التي تسلّط الضوء على شخصية الأمير عبد القادر، العالم المتصوّف ورجل الدولة الحكيم الذي شهد له العدو قبل الصديق، فبعد الوقوف دقيقة صمت ترحّما على أرواح الشهداء وعزف النشيد الوطني، أكّد رئيس جمعية ''محي الدين ابن عربي'' في كلمته التي أكّد فيها، بأنّ الهدف من تنظيم هده الفعالية الثقافية التي تبرز أعلام الجزائر، ما هو إلاّ اعتراف بسيط وعمل يجرّنا إلى اكتشاف رجالات الجزائر العظام والتعريف بهم للجيل الحالي الذي ما زال يجهل الكثير عن تاريخه، إنّها مساهمة بسيطة في يم من العلماء الذين كان لهم الفضل في إرساء دعائم جزائر اليوم، ومن يتجاوز ماضيه، لا يمكن له أن يعرف أو يبني حاضره. أولى المداخلات كانت مداخلة قيّمة للأستاذ فرعون حمو، الباحث في الأنثروبولوجيا الدينية حول ''فلسفة الاختلاف في نظر الأمير عبد القادر''، معتبرا أنّ الاختلاف لا يزال يشكّل أزمة فعلية في الراهن الحضاري والثقافي، ونجد -أضاف المتدخل- أنّ للأمير عبد القادر فلسفة واضحة مكّنت من جعل الاختلاف أقلّ حدّة، من خلال تحكيم العقل واختيار الوسطية في محاورة الآخر، على اعتبار أنّ الاختلاف لا يفسد للودّ قضية، وهو رحمة بين الناس من خلال منهج فلسفي قيمي. المداخلة الثانية تطرّق فيها الدكتور جعفر يايوش إلى مقارنة بين شخصية والنهج العلمي للأمير عبد القادر والعلامة محي الدين بن عربي، من خلال تجربة هذين القطبين المعرفيين اللذين تمكّنا من خلق فلسفة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتصوّف الإسلامي، الذي لم يكن تصوّفا من أجل الزهد، بل كان مصدرا معرفيا لبلوغ الغاية والوصول إلى الحقيقة، وتكاد تجربة الأمير عبد القادر -أضاف الدكتور يايوش- تتقارب وتتقاطع مع تجربة ابن عربي في منهاجه، للبحث عن الحقيقة المتجلّية في السعي إلى العلم والمعرفة، وكان التصوّف خير زاد نهل من ينبوعه الرجلان. وتطرّق الأستاذ باب العياط نور الدين إلى محور ''معالم الشخصية الروحية والفكرية عند الأمير عبد القادر الجزائري''، حيث أكّد المتدخّل أنّ الأمير عبد القادر لا يزال يسترعي اهتمام الباحثين في العالمين العربي والغربي على حدّ سواء، لكن ثمة إشكالية التطرّق إلى الجانب السياسي والعسكري لهذا الرجل دون سواه من الجوانب الأخرى، لكن ما لم يكن معروفا هو أنّ البعد الديني في شخصية الأمير عبد القادر كان الدافع الأكبر الذي جعله يقاوم الاستعمار، فكان ذلك هو المرجعية في شخصيته، وكوّنت منه شخصية سياسية قوية يهابها الأعداء ويشهدون لها بالحكمة. كما تمّت مناقشة محاور أخرى تطرّق فيها كلّ من الأستاذ هواري بن خدة ل''عامل الحضور عند الأمير عبد القادر''، حول معالم الشخصية والهيبة التي تحلى بها أوّل مؤسّس للدولة الجزائرية، وتمحورت محاضرة للأستاذ سمير بورمال حول ''الإنسان الكامل في تحقيقات الأمير عبد القادر والشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي''، إذ أكّد أنّ الأمير عبد القادر يعتبر من روّاد الفكر وأحد الداعين للتقريب بين الطوائف والأديان من دون تزمّت، عكس الرسالة الربانية السمحة للإسلام. الأمير عبد القادر ظلم على أكثر من صعيد، واتّهم بالخيانة والانتماء للماسونية، لأنّ أغلب الذين تطرّقوا إلى سيرته لم يعرفوه على حقّ ولم يدرسوا سيرته بعمق وروية، كما أنّ الأمير عبد القادر تطرّق إلى مؤلّفات العلامة ابن عربي الموسوم ب''التجلّيات الإلهية''، والتي برزت فيها شخصية هذا العالم الجليل، وأثرت أسئلة الحاضرين ومناقشاتهم هذا اليوم الدراسي الذي عرّف بأحد أهم الشخصيات الروحية والسياسية في تاريخ الجزائر.