لم تنته الانتخابات التشريعية في الجزائر دون أن تحدث الصدى بخصوص مجرياتها سواء على المستوى الوطني أو الدولي أو دون أن تثير ردود فعل متباينة في الداخل بين مرحب بنتائجها أو رافض لها، رغم ان أغلبية التشكيلات الوطنية أجمعت قبل موعد الاقتراع بأن الضمانات التي اقرها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة كفيلة بتحقيق انتخابات حرة ونزيهة. بل اكثر من ذلك راحت هذه الاحزاب تشجع الشعب الجزائري على التصويت بكثافة يوم العاشر ماي، مقتنعة بأن تشريعيات 2012 تختلف عن سابقاتها، لاسيما بعد ان لمست توفر ارادة سياسية لانجاح هذا الموعد الذي وصف ب''الاستثنائي''. وقد عززت هذه ''الاستثنائية''، الخطابات التي القاها الرئيس بوتفليقة في عدة مناسبات سبقت تاريخ الاقتراع، حيث دعا فيها الشعب الجزائري الى الاقبال بكثافة على صناديق الاقتراع وتحمل مسؤولياته في اختيار المترشحين، مذكرا في كل مرة بالضمانات التي تعهد بتوفيرها في سياق الاصلاحات التي تكرس المسار الديمقراطي. ومن جملة هذه الترتيبات نذكر اجراء عملية الاقتراع والفرز تحت المراقبة المباشرة لممثلي المرشحين في جميع مكاتب التصويت،مع تكفل الهيئات الوطنية للمراقبة والمتابعة على التأكد من مراعاة قانون الانتخابات. كما تم السماح للأحزاب والقوائم المستقلة المشاركة بممارسة حق التقصي والمراقبة في كل مرحلة من مراحل الاقتراع والسهر على سلامة المسار الانتخابي من خلال تشكيلها للجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات التي تؤدي مهامها بقوة القانون، بعيدا عن كل وصاية أو تدخل وهي مسؤولة عن ضبط الحملة الانتخابية الرسمية وعن ضمان الإنصاف فيها بين المترشحين. ووفقا لأحكام القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي فقد تولت لجنة متألفة حصريا من قضاة مهمة الإشراف على الانتخابات والنظر في سائر مسار الاقتراع من بداية إيداع الترشيحات، إلى غاية إعلان النتائج من قبل المجلس الدستوري. كما ان هذه اللجنة مخولة عن طريق الإخطار أو بمبادرة منها لاتخاذ قرارات نافذة ضمانا لاحترام القانون من طرف الأحزاب المتنافسة ومن طرف الهيئات المكلفة بتنظيم الانتخابات. وفي سابقة تعد الاولى من نوعها، فقد دعت الجزائر ملاحظين دوليين لمتابعة الانتخابات اذ تم توجيه دعوة للمنظمات الدولية التي تنتسب إليها البلاد بالعضوية أو الشراكة لإرسال ملاحظيها إلى الجزائر. الى جانب دعوة بعض المنظمات غير الحكومية. كما تم تحميل المسؤولية للهيئات الادارية في الوطن لضمان حياد اعوانها حيادا تاما في كل ما يتعلق بالانتخابات ،مع ضرورة التأكد من التعاون التام للإدارة المحلية مع الهيئات الوطنية لمراقبة الانتخابات والإشراف عليها ومع الملاحظين الدوليين. وقد شجع اقرار البلاد جملة هذه الاجراءات لانجاح سير الاقتراع ،الكثير من الاحزاب السياسية على دخول المعترك الانتخابي سواء منها حديثة النشاة، أو تلك العريقة والتي سبق لها ان قاطعت الانتخابات التشريعية في المواعيد السابقة، على غرار جبهة القوى الاشتراكية التي اشارت عقب الاعلان عن النتائج، الى أنها حققت الأهداف التي سطرتها من خلال مشاركتها في هذه الانتخابات. غير ان اغلبية الاحزاب التي لم تحقق طموحاتها في هذا الموعد سارعت الى رفض نتائج الانتخابات تحت مبررات وقوع تزوير ووجود تلاعب كبير بالنتائج، في الوقت الذي اجمع فيه الجميع على تزايد اقبال المواطنين على صناديق الاقتراع خلافا لتشريعيات ,2007 ويكفي ان نستدل في هذا الصدد بالصور المباشرة التي بثها التلفزيون. ويكاد القاء اللوم على الادارة بحدوث التزوير يكرر نفسه في كل موعد انتخابي رغم الاقرار بوقوع بعض الاختلالات التي تميز العملية الانتخابية و هي ظاهرة تحدث في جميع الدول بشهادة الملاحظين الدوليين. وعلى ذكر هؤلاء الملاحظين، فقد اكدت تقاريرهم على نجاح سير الاقتراع الذي قالوا عنه بانه جرى في ظروف عادية. ونذكر على سبيل المثال موقف مراقبي الاتحاد الأوربي الذين أثنوا على السير ''الحسن والهادئ'' للعملية الانتخابية في الجزائر. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى تصريحات رئيس البعثة السيد خوسي إغناسيو سالافرنكا في رده على سؤال خلال ندوة صحافية حول امكانية حدوث التزوير حيث قال ان ''الجزائر تمتلك ميكانزمات تسمح لها بكشف أي خرق'' و أنه في حال تسجيل أي تجاوز فإن ''العدالة الجزائرية ستتخذ الإجراءات المناسبة''. وهو ما ذهبت إليه الجامعة العربية ايضا التي اكدت ان الانتخابات التشريعية الجزائرية تمت في مجملها في ''جو من الحرية والديمقراطية ''التي سمحت للمواطن الجزائري بممارسة حقه في اختيار مرشحيه ''دون عوائق أو ضغوط''، مشيرة الى ان هذه الانتخابات ''شهدت أجواء تنافسية حرة بعيدا عن محاولات التأثير على إرادة الناخبين ،كما اتسمت بالشفافية والمصداقية والإعداد والتنظيم المناسب ولم تشهد تجاوزات متعمدة من شأنها أن تؤثر على سلامة سير العملية. وهو نفس الموقف الذي أجمعت عليه العواصم العربية والعالمية التي حيت نجاح الجزائر في اجراء انتخابات شفافة ونزيهة سادها الهدوء. وامام هذه المعطيات يبقى التساؤل عن مواقف الاحزاب الرافضة لنتائج الاقتراع وحديثها عن التزوير، في الوقت الذي لم تشر فيه التقارير الدولية الى حدوثه، واذا كانت تتمسك بموقفها هذا اليس من الاجدر ان تقدم اثباتاتها الملموسة حول هذه المسألة ام انها تكتفي بالتصريحات دون تقديم الأدلة.