يشد التونسيون أنفاسهم في أجواء من الترقب والخوف لما يخفيه يوم غد من مفاجآت بعد أن دعا تنظيم ''أنصار الشريعة'' السلفي المتطرف عامة الشعب التونسي إلى مظاهرات عارمة بعد صلاة الجمعة للتعبير عن رفضه لكل إساءة للدين الإسلامي ومقدساته. وأبدت السلطات التونسية مخاوف كبيرة من احتمالات أن تنزلق هذه المسيرات إلى مواجهات مع قوات الأمن وربما إلى عمليات تخريب وحرق لمقرات الهيئات الإدارية والأمنية في مختلف ولايات البلاد، كما حدث يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين. وكان مقتل الشاب فهمي العويني البالغ مع العمر 22 مساء الثلاثاء الماضي إثر إصابته برصاصة في الرأس في مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين بمدينة سوسة كانوا يعتزمون إضرام النار في مقر للشرطة احتجاجا على معرض للصور رأى فيه سلفيون متطرفون أنه إساءة للإسلام ومقدساته. وأشرت هذه الأحداث التي توسعت رقعتها بسرعة النار في الهشيم على أن الأوضاع في تونس تسير نحو تصعيد أمني قد يحمل في طياته بوادر عصيان شامل يصعب احتواؤه. ويبدو أن الحكومة التونسية تفطنت لمثل هذه الاحتمالات الأكثر تشاؤما وهو ما يفسر لجوءها إلى فرض حظر للتجوال ليلا في ثماني ولايات عرفت موجة اضطرابات ومواجهات بين سلفيين محتجين وقوات الأمن التي وجدت صعوبات كبيرة في احتواء الأوضاع المتوترة. ولم يستبعد وزير الداخلية التونسي علي العريض أن يتم توسيع سريان هذا القرار الاستثنائي ليشمل كل ولايات البلاد بعد ظهور مؤشرات على اتساع رقعة المواجهات إلى كل مناطق البلاد. وعقد المجلس التأسيسي الانتقالي جلسة طارئة على خلفية أحداث الاثنين الماضي تم خلالها الاستماع إلى عرض لوزير الداخلية الذي أعطى مبررات اللجوء إلى استعمال القوة ضد المتظاهرين وسبل احتواء وضع متأجج ويندرج بانفلات عام. وقد اعترف وزير الداخلية بخطورة الوضع وقال إن ''التونسيين مقبلون على مرحلة تتسم بالشدة وتتطلب كثيرا من التضحيات وبعض الوقت لتجاوزها'' بفضل دعم قوات الجيش الوطني وتظافر جهود مكونات الشعب التونسي لإنجاح ثورة الحرية والكرامة. لكن المسؤول التونسي شدد التأكيد على أن السلطات العمومية لن تسكت على أية تجاوزات وإنها ستتصدى لكل عمليات التخريب والاعتداءات مهما كانت الآثار المترتبة عنها. وبغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية التي خلفتها فإن آثارها الاقتصادية ستكون مضاعفة نظرا للتوقيت الذي اندلعت فيه بحلول فصل الاصطياف، حيث عملت السلطات التونسية كل ما في وسعها من أجل إعادة الروح إلى صناعة سياحية لم تتمكن عاما بعد ثورة الياسمين من إعادة الثقة إلى سياح هجروا الوجهة التونسية بسبب مخاوف أمنية. وإذا علمنا أن الناتج الداخلي الخام في تونس يعتمد بشكل كبير على عائدات الصناعة السياحية وقد تراجع بشكل لافت العام الماضي ندرك إصرار السلطات التونسية على عدم تشويه صورة تونس في قطاع يعرف تنافسا دوليا شرسا وفي هذا الوقت بالذات. وتلك هي القناعة التي دفعت بالوزير التونسي إلى التأكيد ''أنه حان الوقت كي لا يكون أي فرد فوق القانون وتحت أي غطاء كان أو وفقا لأي منطق سائد سواء تعلق الأمر بمنطق جهوي أو ديني أوعرقي''، بل إن الأمر حتم على راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الحاكمة، الخروج عن صمته وصرح مطمئنا على محدودية تأثير أحداث اليومين الأخيرين على الأمن العام في بلاده، ليؤكد أن تنظيم القاعدة ليس لها أي تأثير في تونس ''ردا على الدعوة التي وجهها أيمن الظواهري باتجاه التونسيين للقيام بثورة جديدة ضد سلطة حركة النهضة، ونعت الغنوشي الرقم الأول الجديد على رأس هذا التنظيم ب''الكارثة على صورة الدين الإسلامي والمسلمين بسبب دعوته إلى حروب أهلية في البلدان العربية'' نافيا في الوقت نفسه ''كل علاقة للتيار السلفي في تونس بهذا التنظيم''. لكن وزير الداخلية علي العريض اتهم من وصفهم ب''غلاة السلفيين'' بالوقوف وراء المواجهات والصدامات وأنهم يمارسون العنف باستهدافهم لمقرات أجهزة الأمن والمحاكم ولا يعترفون بالدولة، كما أن ''غلاة الفوضويين'' الذين احترفوا التجاوزات والاستفزازات يتحملون أيضا المسؤولية في إشارة إلى منظمي معرض للوحات الزيتية بمدينة المرسى إحدى ضواحي العاصمة تونس، اتهم منظموه بأنهم أشعلوا فتيل الأحداث التي تعرفها مختلف مدن البلاد.