خصصت نهاية الأسبوع الفارط ضمن النشاطات الثقافية التي تندرج في إطار المهرجان الدولي الخامس للأدب وكتاب الشباب برياض الفتح، ندوة حول المترجم محمد يحياتن الذي انتقل الى رحمة ربه منذ شهر في صمت، فهكذا يرحل العلماء دون ضجيج أو أضواء، واعترافا بالمجهود الكبير الذي بذله هذا الرجل والعطاء العلمي الذي أعطاه للمكتبة وللجامعة واللغة، أقيمت له هذه الندوة مذكرة بآثاره ومناقبه، نشطها كل من الدكاترة عبد القادر بوزيدة، خولة طالب الإبراهيمي، السعيد بوطاجين وأدار الندوة محمد ساري. الترجمة هي إفادة أخرى للفكر ونافذة، بل وكالة معتمدة للآخر نعرفه من خلالها ونتغلغل في أفكاره وآرائه وقناعاته، حيث تتحدد لنا صورته وملامحه. الدكتور محمد يحياتن من مواليد 1953 توفي في 17 ماي 2012 في تيزي وزو وقد كان في أوج نشاطه العلمي، الكثير منا لا يعرف «المجاهد»؛ مجاهد القلم والفكر، ولكن من خلال رفاقه من الأساتذة والأدباء نتعرف على هذه الشخصية العلمية، فهو ابن شهيد ولد بتيارت، يقول عنه محمد ساري، أنه عصامي التكوين، درس الفرنسية والعربية والتحق بقسم الفلسفة ونال شهادة ليسانس (1978)، التحق بمعهد العلوم اللسانية والصوتية، حاز على شهادة الماجستير ثم الدكتوراه، ودرّس في قسم اللغة العربية بتيزي وزو، اهتم بالترجمة وأثرى الجامعة الجزائرية بنصوص نقدية وعلمية وأبحاث، وكان محمد يحياتن محبا للآداب وأسس جمعية «أحباب الآداب». يقول السعيد بوطاجين عن محمد يحياتن رحمه الله: «لم أجد ولا تعزية واحدة له في الصحف الوطنية.. وكتبت شيئا عنه في ال ”جزائر نيوز”. أما عن أفكاره وأعماله، فيرى بوطاجين أنه مترجم مدقق في مسألة المفهومية، وكان يتعامل بذكاء وكان يستشير الأساتذة، كما أنه كان غاية في التواضع لا يدافع عن ترجماته وله ترجمات رائعة، درس اللسانيات وكان يهتم بالأدب والفكر ويتقن العربية والأمازيغية والفرنسية. ويضيف بوطاجين في حديثه عن محمد يحياتن بأن له ذائقة راقية في انتقاء النصوص وكان يتحدث بشاعرية كبيرة على مستوى الأساليب والتراكيب. ويضيف السعيد بوطاجين أنه في افتقادنا للدكتور محمد يحياتن «أحس أنني ضيعت جزءا مني، يحياتن هو جزء كبير مني، أحدث فجوة في وفي الجامعة الجزائرية بشكل عام ولا يمكن لهذه الفجوات أن ترمم». أما الدكتورة خولة طالب الإبراهيمي، والتي ترجم لها يحياتن رسالتها الموسومة ب» الجزائريون ولغاتهم»، فقد قالت «أجدني أقف عند الصدمة التي أوقعتها وفاة محمد، عرفته منذ سنوات تلميذا عند الأستاذ الحاج عبد الرحمن صالح، حيث التحق بالمعهد بإيعاز من الدكتور الطاهر ميلة، ودخل مجموعتنا، محمد، كان طيب القلب رفيع الأخلاق، كنا نتنافس، في العديد من المسائل، كانت له ثقافة واسعة، وعلاقتي بمحمد كانت ذات بعدين، الاهتمام بالعربية وقضاياها وكيف يستطيع المجتمع الجزائري التحكم في اللغة العربية الفصحى». وأوضحت أن الترجمات التي تركها لنا ترجمات ثمينة وعالية المستوى، «وفقدان محمد يحياتن أحس فيه أني فقدت جزءا من حياتي، فقدنا فيه الصديق والزميل». من جانبه، الدكتور عبد القادر بوزيدة، فقد أكد في هذه المناسبة أنه سينظم له يوما دراسيا في 28 من شهر جوان الجاري بجامعة تيزي وزو، سيكون هذا اليوم حول أعماله وما كتب محمد يحياتن وماذا ترجم، كيف ترجم، وما هي دلالة هذه الاختيارات؟ وأضاف أنه عندما نلقي نظرة على عناوين الكتب والمقالات، نجده يهتم بالاجتماع اللغوي، السياسة اللغوية والمصطلحات، والملاحظة التي يمكن أن يخرج بها هي أننا نجد في محمد يحياتن جدية في الترجمة على عكس الذين نقرأ لهم ولا نفهم ما يترجمون، محمد نفهمه بسهولة تامة لدقته وأمانته للأعمال التي يترجمها». ويضيف الدكتور عبد القادر بوزيدة في تقييمه لأعمال الراحل محمد يحياتن، أنه - محمد يحياتن - يندرج في إطار تيار علم الاجتماع اللغوي. كما تحدث الدكتور السعيد بوطاجين في هذه الندوة والوقفة التذكارية لمحمد يحياتن، عن خبرته في الترجمة وتجربته من خلال النصوص التي نقلها للعربية، حيث يرى الدكتور السعيد بوطاجين، أن الترجمة خياران، خيار الترجمة وخيار الكتب التي أترجمها، والترجمة إذا كانت متعلقة بعمل فني ينبغي أن تكون لها مجاورات بين المترجم والمترجم له وقال « عندما ترجمت لمالك حداد وهو يكتب بشاعرية كبيرة جدا (الروايات الشعرية)، انطلقت من ميلي لقراءة الشعر والاستعارة، ثم لأن مالك حداد شخص حيادي لا يؤدلج أعماله». كما تحدثت الدكتور بوطاجين عن الانتقادات التي وجهت له في ترجمته رواية «نجمة» لكاتب ياسين وعن اللغة العربية البسيطة التي استعملها في ترجمته. مؤكدا أنه ينبغي أن يلام ويعاتب كاتب ياسين لأنه استعمل لغة متينة على لسان أشخاص بسطاء، فلماذا لا يوجه هذا النقد لكاتب ياسين؟ وهكذا انتهت الندوة التي عقدت حول الترجمة والدكتور محمد يحياتن الذي رحل في صمت بحضور مجموعة من المثقفين والإعلاميين.