من قتل الرئيس ياسر عرفات أو سممه ومن تورط في تسريب البولونيوم المشع إلى المقاطعة مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله التي أرغمته إسرائيل على العيش في داخلها ضمن حصار جائر فرض عليه بعد أن حكمت عليه بالموت البطيء ؟. فهل سرّعت إسرائيل إغتياله بإستعمال هذا السم القاتل لتمرير مخططاتها بعد أن أبدى مقاومة ورفضاً قطعياً لكل تنازل عن القضية الفلسطينية الأم ومصالح الشعب الفلسطيني؟ أم أن جهات فلسطينية أو عربية أصبح عرفات يقلقها بمواقفه ورأت ضرورة تحييده بأي طريقة كانت ؟. أسئلة وأخرى فرضت نفسها أمس بعد أن سرب معهد سويسري مختص في التحاليل البيولوجية معلومات غاية في السرية والخطورة أكدت أن الرئيس عرفات يكون قد أغتيل مسموما بمادة البولونيوم لم ينجح أكبر أطباء مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي الذي نقل إليه على جناح السرعة في إيجاد علاج شاف لهذا السم القاتل . ويكون المعهد السويسري وقناة "الجزيرة" التي أنجزت تحقيقا مطولا حول ملابسات رحيل رمز الكفاح الفلسطيني قد فجرا قنبلة أكثر وقعا من تلك التي تركها رحيل عرفات الغامض والمفاجئ في الحادي عشر نوفمبر 2004 عندما أجمع الفلسطينيون على التساؤل حينها: من قتل عرفات؟ وعاد شبح عرفات ليقوض مضاجع الذين أرادوا التخلص منه عندما كان حيا ويوم مات ويوم يبعث ثانية لتشريح رفاته لمعرفة ظروف وملابسات تصفيته بأكثر مهنية وبكيفية لا تترك أي أثر لجريمة تمت مع سبق الإصرار والترصد. والواقع أن الفلسطينيين تيقنوا يوم 11 نوفمبر 2004 بمجرد ذيوع خبر وفاة عرفات أن موته مشكوك فيه لأن الفقيد ورغم سنوات الحصار المفروضة عليه ما كان ليموت بتلك السرعة بعد أن تغيرت ملامح وجهه من مناضل صابر على البلاء ورمز النصر لا يفارق أصابع يده من أجل القضية إلى وجه مصفر وشاحب وعلامات المرض الغريب تنخر جسده. والمؤكد أن ظروف وفاة رمز المقاومة الفلسطينية سيتحول إلى قضية وطنية لدى الفلسطينيين وهي مرشحة لأن تتحول إلى قضية دولية في حال ثبت أن جهات أجنبية تورطت فعلا في تصفيته بتلك الطريقة "الذكية" للتخلص من شخصية رفضت تصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني لصالح حسابات سياسية ضيقة تجعل إسرائيل أكبر الرابحين فيها. وعندما يؤكد فرانسوا بوشو مدير معهد الإشعاع الفيزيائية بمدينة لوزان السويسرية الذي فضح سر الإغتيال، أن وجود كميات زائدة عن المعدلات المقبولة للمادة المكتشفة والقول أنها مادة مشعة لا يمكن الحصول عليها إلا من أشخاص يهتمون أو يصنعون أسلحة نووية " يزداد الفلسطينيون إقتناعا أن الأمر أكبر من أن يكون عملية معزولة وإنما جريمة خطط لها من قوى أجنبية لأهداف إستراتيجية ولكن بتنفيذ جهات محلية كانت لها حرية الدخول إلى غرفة الرئيس الراحل. والمؤكد أيضا أن الإغتيال إن ثبت أن عرفات سمم بمادة البولونيوم الإشعاعي فإن من تورطوا في تسريبه إلى مقر إقامته في المقاطعة في مدينة رام الله هم الآن يشدون بطونهم خوفا على إنفضاح أمرهم أمام رأي عام فلسطيني لم يغفر لمن تورط في إغتيال زعيمهم. ووجدت السلطة الفلسطينية نفسها أمام هذا الطارئ في حرج كبير بعد أن عادت قضية كانت تعتقد أنها دفنت تحت تراب لحد أبا عمار إلى الأبد أو لنقل إلى بعد إنتهاء سنوات السرية على قضية كانت مرشحة لأن تنفجر في أية لحظة. ويبدو أن تلك اللحظة قد حانت وتنتظر فقط "الضوء الأخضر" من عائلة الرئيس الراحل لإعادة إجراء تشريح لجثته وأخذ عيينات من رفاته للتأكد من حقائق بقيت مقبورة طيلة ثمان سنوات .