كرمت المجاهدة جميلة بوحيرد أول أمس، رفيقة دربها المناضلة آني ستينر التي دفعت زهرة شبابها في سبيل الجزائر والتي ما تزال الى غاية اليوم تضيء شمعة وعند الساعة الصفر من ليلة 1نوفمبر وتجلس في جو مهيب تستحضر ذكرياتها، وهي نفس الساعة منتصف الليل التي تعيد إليها ألم تنفيذ عمليات الإعدام بالمقصلة. جلست المناضلة الكبيرة »آني ستينر« في تواضع كبير أثناء تقديمها لمحاضرة عن »يوميات المجاهدات الجزائريات في الزنزانات الاستعمارية« بالمقهى الأدبي المنعقد بالصالون الدولي للكتاب المقام حاليا بقصر المعارض، ورغم - تقدم سنها إلا أن السيدة ستينر إلا أن ها تتذكر كل شاردة وواردة عن ذكريات الثورة بأدق التفاصيل، كأنما عاشت تلك الأحداث منذ سويعات فقط وهي التي تجاوز بها العمر التسعين عاما، أحيانا تسجلها شعرا، هذه الفرنسية من عائلة مرموقة إذ كان أبوها مدير مستشفى متعاطف مع الجزائر اقتنعت بعدالة قضيت الشعب الجزائري، فأرتمت في احضانه وحاربت فرنسا التي أذاقتها من العذاب والويل ما لا يقل عن مالا قته رفيقاتها في الكفاح، تشد هذه المناضلة كل من يستمع إليها حتى وهي تتحدث بالفرنسية الكلاسيكية الى درجة أن الخيمة المخصصة لمحاضرتها اكتظت بجموع الوافدين. لاتعتمد المناضلة »آني« على السرد فقط بل تعطي تعليقا على الأحداث وتربطها ببعضها وتتحدث كثيرا عن تضحيات غيرها من الرفقاء، كما أنها تتحدث بروح خفيفة وسخرية أيضا على الرغم من الدموع التي تخونها في أحيان كثيرة كلما آلمتها تلك الذكريات، ركزت »آني« على ذكرياتها داخل السجن خاصة مع زملائها المحكوم عليهم بالإعدام، تتألم كلما تذكرت هؤلاء الذين فصلت المقصلة رؤوسهم عن أجسامهم والذين بلغ عددهم 200 شهيدا في العاصمة ووهران وقسنطينة من سنة 1956 الى 1958، إذ بحلول سنة 1958وصعود ديغول أوقف الاعدام بالمقصلة لكنه أقر بوسائل أخرى كالاعدام بالرصاص. تحكي »آني ستينر« أن كل المساجين يقيمون إضرابا عن الطعام لمدة 24 ساعة بعد كل عملية إعدام، كما تذكر أيضا الجزائريات اللواتي كن يجلسن أمام باب السجن لمعرفة من أتى عليه الدور في الاعدام. تقول السيدة »آني« أنها احتفلت بذكرى نوفمبر لأول مرة سنة 1956 أي في العيد الثاني لانطلاق الثورة وكانت آنذاك في السجن الذي دخلته شهرا واحدا قبل الاحتفال فكان على رفيقاتها تلقينها نشيد من جبالنا كي تردده معهن، وتؤديه أثناء كل عملية إعدام في الليالي الحالكة، حيث يهتز سجن بربروس على وقع النشيد الذي يردده مئات المساجين المساندين للمحكوم عليه بالإعدام، وهكذا يغني الرجال المساجين في الطوابق العليا وترد عليهن النساء من الطوابق السفلى، الأمر الذي كان يتطلب تدخل القوات الخاصة التي تتكفل بالتنكيل بالسجناء خاصة الرجال منهم. في أجواء هذه المحنة كانت السجينات يخلقن جوا من المرح والنكتة كان يغيرن في شكلهن أولباسهن ليفوتوا نظرة الشفقة عليهن. تتذكر »آني« رفيقتها نيكول التي كان يسخر منها المحقق الفرنسي (الجلاد) ويسألها »نيكول ما هو جديد الموضة الآن في باريس؟«، فترد »أظن أنها أصبحت أسوأ لأنها حتما أصبحت أكثر عريا«. فتأتي »نيكول« إلى »آني« وإلى جميلة بوحيرد فيضحكن ثم يتحدثن رفقة الكثيرات في مواضيع كثيرة كانت تشارك فيها إحدى السجينات الفرنسيات وتقول »إن عجلة التاريخ تسير ولايمكن لأحد أن يوجهها الى الوراء«. وتحكي »آني ستينر« عن الروح العالية للسجينات اللواتي كن يأتين من مختلف مناطق الوطن فلقد كن يغنين ويرقصن ويظهرن مواهبهن تماما كما تفعل هي معهن خاصة في أيام العطل الأسبوعية، وتقسم أنها لم تر فنا أجمل من فنهن، فلم يكن السجان يهمهن على الرغم من الظروف القاسية وغير الإنسانية التي كن يعشنها لكنهن كن متضامنات الى درجة إحباط كل محاولات سلطات السجن لتفريقهم، كما كن يحيين المناسبات الدينية وينظفن السجن في رمضان مثلا. وتحكي »آني« تفاصيل أخرى كثيرة سواء مع السجينات أومع السجانين الذين وصفتهم بأسوأ الصفات، في الأخير أكدت المحاضرة على أن السجون كانت جبهات حرب مفتوحة، كما افتخرت ببعض زميلاتها السجينات اللواتي كانت الواحدة منهن تعد العدة للاستقلال بالتعليم والصبر وبالفعل تقلدت بعضهن مراتب في الدولة الجزائرية وبقين متواضعات. أمل »آني« أن تلتفت السلطات الجزائرية الى المحامين الفرنسيين الذين دافعوا عن المساجين وتحملوا الخطر لأجل الجزائر وأن يكون تكريمهم رسميا.