وجدت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس نفسها في موقع المدافع عن النفس وسط تصاعد حدة الاتهامات من قبل عديد الجهات المدنية والحزبية والنقابات العمالية بانحرافها عن النهج الديمقراطي. ولم تجد الحركة من وسيلة لمواجهة سيل الاتهامات والانتقادات التي تطالها منذ اعتلائها سدة الحكم سوى التنديد بما وصفته بالخطابات الحربية والدعوات لإضرابات عامة تطلقها جهات معارضة من أحزاب ونقابات ومؤسسات المجتمع المدني عبر وسائل الإعلام المختلفة التي شكلت منابر مناوئة لها. وخرج راشد الغنوشي، زعيم الحركة عن صمته، أمس، ليصب جام غضبه على صحف وقنوات تلفزيونية اتهمها بالترويج لخطابات شبيهة بتلك التي تذاع في زمن الحرب قال إنها بلغت "حد تحريض الأحزاب والتيارات بعضها البعض وبما يهدد وحدة تونس"، وأضاف أن "درجات الحرارة المرتفعة صاحبتها توترات تهدد وحدة البلاد". كما ندد الغنوشي، الذي أعيد انتخابه مجددا على رأس حركة النهضة، بتضاعف النداءات الداعية لشن إضرابات جهوية وأخرى قطاعية تطلقها النقابات العمالية بمبرر أن الحكومة عجزت عن الإيفاء بالتزاماتها ووعودها في النهوض بالاقتصاد الوطني والقضاء على ظاهرة البطالة وتحسين مستوى المعيشة. وجاءت تصريحات الغنوشي في الوقت الذي دعت فيه النقابة المركزية التونسية إلى إضراب وطني في القطاع الصحي بعد غد الخميس بعد أن أدانت منع السلطات شهر جويلية الماضي تنظيم اعتصام بمدينة صفاقص الواقعة على بعد 300 كلم جنوب العاصمة تونس واعتقال أربعة نقابيين. ودخلت النقابة في مواجهة مفتوحة مع حكومة حمادي الجبالي التي اتهمتها بمحاولة لي ذراعها، خاصة وأن الحكومة قررت خصم أجور العمال المضربين. وهو ما وضع الحكومة الإسلامية بعد حوالي عام من مجيئها في مأزق حقيقي زاد من متاعبها في احتواء وضع لم يعرف الاستقرار منذ ثورة الياسمين التي أطاحت العام الماضي بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وتواجه هذه الحكومة اتهامات من قبل القوى الديمقراطية وأخرى ليبرالية معارضة انضمت إليها نقابات عمالية ومؤسسات المجتمع المدني بسعيها إلى الانفراد باتخاذ القرار في البلاد والعمل على فرض منطقها من خلال قمعها للحريات العامة والفردية تحت غطاء الدين. وزاد الطين بلة الجدل الذي أثارته مادة في نص مشروع الدستور الجديد تتحدث عن التكامل بين الرجل والمرأة وليس المساواة الذي كان معمولا به في تونس منذ عهد الرئيس الراحل حبيب بورقيبة، وهي المادة التي وصفتها عديد القوى المعارضة بال "فضيحة" واتهمت النهضة بالتضييق على الحريات الفردية والعامة التي ناضل من أجلها شباب ثورة الياسمين ودفعوا دمائهم ثمنا من أجل بلوغها. وهو ما جعل مراقبين يرون أن كل مؤشرات انفجار الوضع في تونس أصبحت قائمة في حال لم تسارع النهضة إلى تدارك الوضع والوقوف على الأخطاء التي ارتكبتها وأكثر من ذلك البحث عن تواصل أكبر مع الفئات المجتمعية للاستماع لانشغالاتها والتعامل بجدية مع مطالبهم.