لم تنتظر السلطات المصرية أكثر من ثلاثة أيام بعد الهجوم على مركز حدودي في شمال صحراء سيناء لتقوم بأعنف رد عسكري ضد مشتبه فيهم خلف في حصيلة أولية مصرع 20 مسلحا يعتقد أنهم عناصر المجموعة التي نفذت الهجوم الذي أودى بحياة 16 جنديا مصريا. وأكد الجيش المصري أن العمليات العسكرية ضد "الإرهابيين" كللت بنجاح كبير وأنها ستتواصل لضمان السيطرة على الأوضاع واستعادة الأمن في صحراء سيناء. واستعمل الجيش المصري في غاراته الجوية طائرات مروحية لأول مرة منذ التوقيع على معاهدة كامب ديفيد للسلام والتي تمنع سلاح الجو المصري من استعمال أي نوع من الطائرات الحربية بما فيها المروحية على طول الشريط الحدودي مع إسرائيل بدعوى أن هذه المنطقة منزوعة السلاح. لكن ذلك لم يثر استياء إسرائيل، بل بالعكس فقد سارعت حكومة الاحتلال إلى التنويه بدرجة الحزم التي أبدتها السلطات المصرية في الرد على منفذي الهجوم على مخفر حرس الحدود المصريين مغرب أول أمس قبل محاولتهم التغلغل إلى داخل العمق الإسرائيلي. وقال ضابط في الجيش المصري مشارك في هذه العملية إن الهجوم نفذ ضد قرية توماح شمال سيناء واستعملت فيه طائرات "اباشي" الأمريكية في نفس الوقت الذي كانت فرقة المدرعات التابعة للقوات المحمولة تقوم بمحاصرة القرية طيلة نهار أمس بعد أن ساد الاعتقاد بأن المهاجمين لجأوا إليها مباشرة بعد تنفيذ هجومهم. وأكد مصدر أمني مصري لم يكشف عن هويته أن المسلحين استعملوا قذائف الروكيت وصواريخ "آر. بي. جي" والأسلحة الآلية ضد الطائرات المروحية التي شاركت في تحديد مواقعهم التي فروا إليها. وتم تنفيذ رد الفعل العسكري المصري ساعات بعد هجمات مسلحة نفذها مسلحون مجهولون ضد مراكز أمنية في مدينة العريش على شواطئ شمال سيناء والتي أصيب فيها ثلاثة من عناصر الشرطة المصرية. وأكدت عدة مصادر أن عملية أمس تعد أكبر عملية عسكرية يشنها الجيش المصري على حدود إسرائيل منذ حرب أكتوبر سنة 1973 تنفيذا لوعيده بالانتقام لمقتل حرس الحدود الستة عشر الذين شيعت جثامينهم أول أمس في ظل حداد وطني أعلن عنه الرئيس المصري الجديد محمد مرسي. كما عرفت تطورات الساعات الأخيرة عمليات تدمير واسعة لكل الأنفاق السرية بين قطاع غزة ومدن شمال سيناء المصرية والتي يعتقد أن المهاجمين تسللوا عبرها انطلاقا من قطاع غزة إلى داخل الأراضي المصرية. وقال متتبعون إن عملية الأحد التي تعتبر الأعنف من نوعها التي تتعرض لها قوة نظامية مصرية إنما جاءت نتيجة لبنود اتفاقية السلام مع إسرائيل التي نصت على جعل مناطق شمال صحراء سيناء منطقة منزوعة السلاح عكس الجانب الإسرائيلي الذي يمتلك ترسانة حربية حقيقية على طول الحدود المصرية وقطاع غزة تحت طائلة ضمان الأمن الإسرائيلي. ولحد الآن لم يتم تسريب أية معلومات حول منفذي الهجوم على القوات المصرية مما أبقى التساؤلات مطروحة حول هويتهم والمستفيد من هذه العملية والخلفيات والأهداف المرجوة منها. وقال ياسر علي المتحدث باسم الرئاسة المصرية إنه لا توجد حتى الآن أية معلومات دقيقة عن منفذي الاعتداء، مؤكدا أن هناك الكثير من الاحتمالات بشأن الحادث، منها "أن مرتكبيه مجموعة مصرية وأخرى أشارت إلى أنهم غير مصريين"، لكن لا يقين حول أي من الطرحين. وختم بالقول بوجود غرفة عمليات مشتركة بين كل الجهات الأمنية تعمل على مدار الساعة للكشف عن مرتكبي الحادث. ومهما يكن فإن إسرائيل تبقى أكبر المستفيدين من عملية وجهت أصابع الاتهام فيها إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي بالوقوف ورائها، وهو ما جعلها تغض الطرف عن استعمال الجيش المصري لطائرات مروحية في منطقة منزوعة السلاح، بل إن الحكومة الإسرائيلية سارعت إلى تهنئة الجيش المصري على إنجازه بقتل 20 مسلحا. وهو ما كانت تبحث عنه إسرائيل منذ مدة وما انفكت تطالب به سلطات القاهرة بتعزيز الإجراءات الأمنية على حدودها في شمال سيناء، وكانت عملية الأحد كافية لأن تحقق لإسرائيل ما طالبت به طيلة عدة أشهر. بالمقابل، فإن الخاسر الأكبر يبقى فلسطينيي قطاع غزة بعد أن لجأت السلطات المصرية إلى غلق معبر رفع إلى أجل غير مسمى وهو ما كانت إسرائيل تريده أيضا لإحكام قبضة حصارها عليهم. وأجمعت كل التقارير أن تدمير مصر لمعظم الأنفاق السرية وقرار غلق معبر رفح سيزيد من درجة خنق الغزاويين الذي يعيشون أصلا في سجن كبير. لكن وقع القرار سيكون أبلغ على حركة حماس التي وجدت نفسها في موقع المتهم وجعلها تدافع عن نفسها نافية كل صلة لها بالهجوم وعبرت عن رغبة في استمرار علاقة الود بينها وبين السلطات المصرية الجديدة. وجدد رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية التأكيد أمس على عدم وجود علاقة لغزة بالهجوم المسلح، مؤكدا على "التعاون والتواصل المستمر مع السلطات المصرية لقطع الطريق على محاولة الوقيعة بين الشعبين".