عرف العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام بصيام ست أيام من شهر شوال، وذلك مباشرة بعد انتهاء عيد الفطر، ويبدأ صيام الكثيرين في ثاني أيام العيد، بمبرر التعود على وتيرة الصوم وتفضيل عدم التأخير حتى لايؤدي ذلك إلى التكاسل عن أداء هذه «السنة»، الجزائري على غرار المسلمين لا يفوت هذه السنة، إلّا أن الحر وقف حائلاً أمام الكثيرين هذه السنة. ومسالة صيام هذه الأيام الست معروفة منذ القدم كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر))، ويقصد بالدهر هنا، سنة كاملة، فصوم شهر رمضان يوافق صوم عشرة أشهر لأن الحسنة بعشرة أمثالها، وصوم ستة أيام من شوال يوازي شهرين أي أن ستة أيام تساوي ستين يوماً في أجرها. لكن هذه السنة الحميدة تحولت إلى ما يشبه الفرض لدى البعض، لدرجة أنهم أصبحوا يستهجنون أمر الذين لا يصومون هذه الأيام، ويعتبرون ذلك نوعاً من التقصير في أداء «واجب شرعي». ويصل الأمر إلى تحرج البعض الآخر وهم يقولون إنهم لم يصوموا هاته الأيام. وتصوم عائلات بأكملها الأيام الأولى من شوال، رغبة في الاستمرار بأجواء رمضان بعد رمضان. وهو ماتشير إليه صباح القاطنة بالرغاية التي تقول إنها وعائلتها المحافظة يحرصون على صوم ست من شوال بدء من ثاني أيام العيد، مؤكدة أن الصيام أصبح عادة عائلية لا يمكن التخلف عنها، وإنها شخصياً تحبذها لأنها تسمح بمواصلة وتيرة رمضان «وكأننا لا نريد توديع الشهر الكريم فنعمل على تمديد أجوائه التي بفضلها تجتمع العائلة كلها حول طاولة الإفطار، وهو ما يحدث نادراً في باقي أيام السنة». إنه إذاً سحر رمضان الذي يدفع البعض إلى الرغبة في التمتع بأجوائه الروحانية إلى أقصى حد، لكنه عند الكثيرين سنة لايجب تفويتها حتى أن منهم من بات يعتقد اعتقاداً راسخاً أن أيام رمضان ازدادت لتصل إلى 35 أو36 بدل شهر واحد فقط. يقول موسى في هذا الصدد وهو شاب في الثلاثين من عمره»لا أفهم لم يتكاسل البعض عن إكمال صيام الستة أيام، بالنظر إلى أجرها الكبير ولأنها مكملة لصيام رمضان حسب الحديث الشريف، فمن صام شهراً لا أتوقع أن يصعب عليه صيام ستة أيام إضافية، وقد سميت أيام الصابرين لتأكيد أهمية الصبر وهو المغزى من رمضان، لذا اعتبر أنه من الواجب إتمام الصيام حتى ولو كانت درجات الحرارة عالية، بل بالعكس في مثل هذه الأجواء يرتفع الأجر».عكسه يرى ياسين أنه ليس من المعقول اعتبار هذه الأيام واجباً والاستهزاء بالذين لا يصمونها، ووصفهم بالعاجزين فما فرض على المسلمين هو صوم شهر رمضان والباقي كله يعد تطوعاً في إطار الرغبة بالمزيد من الأجر، وكل حسب طاقته، فلا ينبغي المزايدة كما يضيف.وإذا كان عدد كبير من الناس يفتخرون بصوم هذه الأيام في السنوات الماضية، ويملؤون الدنيا ضجيجاً بصيامهم بُعَيْدَ رمضان، فإن نسبة معتبرة من الذين تحدثنا إليهم عن الموضوع هذه السنة بدوا غير متحمسين كثيراً لصيام «الصابرين» وذلك بسبب حرارة الجو الخانقة.في هذا الصدد تعترف نفيسة أنها وكل العائلة لم يداوموا هاته السنة على صيام أيام شوال كالعادة بسبب الدرجات العالية للحرارة التي مازالت مستمرة،إذ تقول صراحة» بالكاد تمكنا من صوم شهر رمضان الذي اعتبره الأصعب هذا العام نظراً لدرجات الحرارة المرتفعة جداً والتي أتعبتنا كثيراً...لم يحصل لي أبداً أن أرهقت بالصيام مثل هذه السنة، صحيح نحن نحب رمضان ونأسف لوداعه ولكن الظروف المناخية الحالية تجعل من الصعب جداً التفكير في صوم أيام إضافية كالعادة، كما أن أمي وأبي يعانيان من أمراض مزمنة تجعل من الأمر شبه مستحيل». وما لحظناه هذه السنة هو النقص في الإلتزام بصيام الصابرين بسبب حرارة الجو و طول النهار التي كانت وراء إحساس الأغلبية بالتعب والإرهاق من الصيام في شهر رمضان، وهو مايدعو إلى القول بأن هذه «العادة» قد تعرف تراجعاً في السنوات المقبلة التي سيحل فيها رمضان في عز الصيف، وهو ما يعتبر في حد ذاته أمراً إيجابياً بالنسبة للبعض ممن يرون في ترسخ صيام أيام شوال لدى العائلات الجزائرية خطأ لأنه حول السنة إلى فرض. سألنا الأستاذ نصرالدين خالف خطيب مسجد عرفات ببن عكنون بالجزائر عن تعظيم صيام ستة أيام من شوال فأفادنا برأيه قائلا «يعد تعظيم الست من شوال من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين وذلك بسبب ظنهم أنه من الواجب عليهم صيامها، إذ يعظمونها أكثر من صيام الفرض وهو صيام شهر رمضان، ويجب العلم أن هذه الأيام لا تعدو أن تكون سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، أما صيام رمضان هو فرض وركن من أركان الإسلام. وهذا التعظيم يعد من الخلل في الدين وعدم فقه ترتيب الأولويات، ولذلك كان سبب كراهية صيامها عند بعض المذاهب بسبب هذا الخلل والتعظيم لها». وبالنسبة لمحدثنا فإن الأصل هو أن المسلم يحافظ على الفرائض ثم يأتي بالسنن والمستحبات، ففي الحديث عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟، قال : ( نعم ) رواه مسلم. لذا فإنه يؤكد قائلا» يجب على المسلم أن يحافظ على فرائض الإسلام وبعدها يأتي بالمستحبات وباقي النوافل». بالمقابل فإن الأستاذ خالف يرى في صيام هذه الأيام فعلًا حسناً إذا كان الإنسان مدركاً لهذه الأمور، إذ يشير»مع هذا لا يفوتنا أن ننبه إلى ظاهرة إيجابية في مجتمعنا ألا وهي مواظبة المسلمين على صيام الست من شوال وهي لم تكن في السابق فتجد العائلات تصومها، بل والعام والخاص، والكبير والشاب».