يتواصل العرس الثقافي الذي تشهده ساحة بور سعيد ويحتضنه المسرح الوطني الجزائري بالعاصمة، وشهد اليوم الثالث من فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف دخول مسرحيتين للمنافسة هما «نساء بلا ملامح» لجمعية النوارس للفنون الدرامية لمدينة البليدة، ومسرحية «افتراض ما حدث فعلا» للمسرح الجهوي لأم البواقي، كما شهدت قاعة الحاج عمر بمبنى بشطارزي لقاءا أدبيا خصص لروح الروائي حميد سكيف. وكانت قاعة مصطفى كاتب قد احتضنت ظهيرة أول أمس مسرحية «نساء بلا ملامح» لجمعية النوارس للفنون الدرامية لمدينة البليدة، في إطار المنافسة الرسمية للطبعة السابعة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، ويعالج موضوع المسرحية التي تنتمي إلى الدراما السيكولوجية، والمقتبسة عن نص للكاتب العراقي عبد الأمير الشمخي، إشكالية المرأة في المجتمعات التسلطية من خلال معاناة ثلاث فتيات جمعهن القدر بعد تعرضهن للاغتصاب الجسدي والفكري، حيث يحولهن المجتمع من ضحايا إلى مجرمات ينبذن ويعزلن عن العالم. من خلال هواجس وآلام المغتصبات الثلاث يسلط النص، الذي أعاد كتابته الجزائري رابح هوادف، الضوء على الكثير من الصراعات والمشاكل الاجتماعية التي تجعل من المرأة ورقة في كل الحسابات، ورغم كل القيود المسلطة عليها تبقى المرأة عنيدة ومقاومة تستلهم قوتها من إيمانها بقدرتها على تجاوز الصعاب. وقد أبدت الممثلات صورية بسعدي ونادية علي حسنات وآمال بن عمرة إمكانيات وقدرات واعدة في الأداء، كما قدم الممثل احمد مداح عرضا محترما، حيث تأقلم مع الدور الذي قدم فيه شخصية متسلطة ووصولية لا تتررد في قتل اقرب الناس إليها من اجل تحقيق مآربها. وان كانت لغة النص الفصيحة جميلة ومليئة بالرمزية، إلا أن الكثير عابوا على الكاتب والمخرج أسامة محمد عباس، عدم استعمال لغة بسيطة قريبة من الجمهور، خاصة وأن الموضوع يتناول بعض همومه وانشغالاته. وكانت مسرحية «نساء بلا ملامح» قد فازت بالمرتبة الأولى في الطبعة السادسة للمهرجان الجهوي للمسرح المحترف الذي احتضنه المسرح الجهوي لمدينة سيدي بلعباس في شهر افريل الماضي، وإثر هذا التألق تأهلت جمعية «النوارس» للمشاركة في منافسات المهرجان الوطني للمسرح المحترف. أما العرض الثاني «افتراض ما حدث فعلا» الذي بدأ في الثامنة والنصف مساء للمسرح الجهوي لأم البواقي، فقد صنع الفرجة على مدار سبعين دقيقة من مدة العرض، ويعالج ظاهرة العولمة والأطراف التي تتبناها، وتعطي لنفسها حق تنظيم وتسوية مشاكل العالم دون استئذان أحد، في محاولة لإسقاط تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في شؤون الدول العربية، في ظل ما يسمى ب«الربيع العربي». ويحرك مجريات المسرحية الناطقة باللغة العربية الفصحى، ثمانية ممثلين هم: هشام فرفاح، فارس بركاني، وليد لمودة وقاسمي خطاب، إلى جانب عنتر زايدي، لوصيف مرزوق، عاشور رمزي وأنور السادات نوادري، فوق خشبة خالية من الأكسسوارات، أي وسط ديكور فارغ. وجاء العرض في قالب فكاهي مفعم بالرسائل السياسية، التي يحاول طاقم العمل تمريرها بأسلوب مباشر داخل مستشفى للأمراض العقلية، بدأت المسرحية حين استيقظت مجموعة من المجانين يقودهم» الماريشال « الذي أدى دوره الممثل هشام قرقوح، و«المستشار» في شخصية الممثل سيف الدين بركاني ومجموعة من المجانين يتخيل لهم أنهم يحكمون العالم ويبحثون عن جثة لدفنها في مكان الجندي المجهول، حيث يقوم المستشار بإصدار الأوامر إلى الجنود ويلعبون لعبة لإيجاد البديل عن الجندي المجهول لدفنه في النصب التذكاري الذي أقيم من أجله.. وسط الهستيريا يدخل المستشار ويبشر الماريشال باكتمال بناء نصب الجندي المجهول، كلام المستشار أعجب الماريشال، حيث أكد له أن ميزانية البلاد كلها ذهبت في بناء هذا النصب، لكن المشكل الذي وقع فيه الماريشال ومستشاره هو الجندي الذي سيدفن مكان الجندي المجهول، بعد أن وجد الماريشال صعوبة في العثور على الجندي المجهول لدفنه في مكان النصب التذكاري، ارتأى أن يلعب لعبة الحرب عن طريق القيام بقرعة بين البلدان ومن وقعت عليه القرعة يدخلون معه في حرب، وهو ما حدث فعلا فدخلوا في حرب مع دولة صغيرة فأبادوا أهلها، لكن صدمة الماريشال كانت كبيرة، لما وجد أن جنوده كلهم أحياء ولم يجد أيا منهم قتل في أرض المعركة، ما أصابه بصدمة، هذه الوضعية جعلته يلجأ إلى خيار البحث عن الجندي المجهول وسط ضحايا العدو، حيث جلب جثة أحدهم لوضعه محل الجندي المجهول، قامت الجثة من مكانها وتكلمت، فصعق الماريشال وجنوده وأحسوا بالذعر والهلع، وقالت الجثة أنها ترفض أن تدفن في بلاد غير بلادها لأنها ضحت من أجل وطنها الذي دمره الماريشال وجنوده بدافع البحث عن الجندي المجهول، معاتبة الماريشال عن الضحايا الأبرياء الذين سقطوا في الحرب، ليتضح في الأخير أن الأمر هو لعبة فقط من نسج خيال الماريشال وجنوده وترفض الجثة التي هي لأحد جنوده إكمال اللعبة والدفن مكان الجندي المجهول. أما البرنامج الأدبي، المرافق للمهرجان الذي أقيم مساء أول أمس بقاعة الحاج عمر بالمسرح الوطني، فقد عرف جلسة أدبية كرم خلالها الأديب الراحل حميد سكيف، وشهدت الجلسة التي جاءت تحت عنوان «الرواية في ضيافة المسرح» عرضا مسرحيا مستوحى من بعض أعمال الروائيين المدعويين، وهم كل من عبد الوهاب بن منصور من تلمسان ومحمد بن زيان من وهران والخير شوار من سطيف، بالإضافة إلى حميد عبد القادر من الجزائر العاصمة.