عالم الموسيقى كله ألحان، ولكي تستخرج اللحن الجيد لابد من تدوينه.. هذا الاختصاص الذي قل من ينتهجه لكونه يتطلب الموهبة، الدقة، الخبرة، الصبر والإنصات للموسيقى بتمعن، ولمعرفة المزيد عما يسمى بالتدوين الموسيقي، توجهنا إلى المخبر الموسيقي الكائن بالإذاعة، حيث يوجد السيد "مرزاق كشرود" موسيقي ومختص في مجال التدوين، ليزودنا بمعلومات أدق عن ميدان عمله وعن أهمية التدوين في الميدان الموسيقي... - لنبدأ بمجال تخصصك الموسيقي؟ * ككل الموسقيين المتواجدين بالإذاعة ،أنا دارس للموسيقى بالمعهد المركزي الجزائري، تخصصت في العزف على آلة الكلارينات، ودرست على يد موسيقيين أجانب منهم "أرموند بلانكي" و"ميشال كولي" موسيقى الغرفة قسم صولفاج، هذا الى جانب أساتذة جزائريين منهم "الأستاذ برادعي، والأستاذ حمودي مدير المعهد، وفي سنة 84 طلبت الإذاعة من المعهد انتقاء موسيقيين للانضمام إلى الفرقة السمفونية تحت قيادة الأستاذ "قويدر لمين" وكنت من بين من اختيروا. - قد يسهل العزف على الموسيقى لكن ما يصعب على الكثير هو التدوين، والدليل هو ندرة تواجد مدونين موسيقيين.. فكيف تحولت من عازف كلارينت الى مدون؟ * نستطيع القول أنها الموهبة التي أهلتني لذلك، فلم أدر حتى وجدت نفسي أدون كل ما أسمعه، وأذكر أن أول لحن دونته كان للفنان "علي الزبيدي". كتبت معه المقام العربي ربع المقام، وهو من أصعب المقامات العربية، كان يعزف، وأنا أستمع باهتمام وأدون ما أسمعه، من هنا كانت الانطلاقة، واليوم بات من السهل علي التدوين. وللعلم أن كل ما يدون اليوم عالمي.. يرتقي إلى مستوى عال. - مخبر موسيقي!؟ بصراحة لأول مرة أعلم أن للموسيقى مخبرا فهل من تفاصيل أكثر؟ * ببساطة، هنا يولد اللحن وهنا نختبره ونقيم جماله وأهميته، ونصادق على بعثه إلى الوجود أي إلى الساحة الفنية، فالمخبر الموسيقي، هو كأي مخبر يكشف سلامة، وجمال ما يقدم للمستمع الكريم. - بما أن للموسيقى مخبر.. فما هي المعايير التي تنتقى على أساسها الألحان الجيدة؟ * المخبر يستقبل الأغاني على قرص الى جانب اللحن مكتوبا، وأستمع طبعا إلى الأغنية وأقارن السمع بما دون، فإذا اكتشفت أن هناك خللا وعدم تطابق، أقوم بالتصحيح، ولا يتسنى لي ذلك قبل الرجوع الى صاحب اللحن والأغنية لأعلمه بما استنتجته، وحين آخذ موافقته نصحح لنصل الى المقياس الموسيقي السليم، وهذا يعني أن التدوين لن يتم إلا بعد انصات وتمعن وإجراء حسابات دقيقة، باعتبار أن الموسيقى علم كباقي العلوم يخضع لحسابات، لنصل في النهاية الى اللحن السليم الذي لا تشوبه شائبة، اللحن الخالي من النشاز والثغرات المحدثة لاختلال اللحن.. - في اطار مسابقة الإذاعات العربية، علمنا أنه تم اختيار لحن الأستاذ: عبد القادر حوتي من بين الألحان المقترحة، هذا اللحن الذي مر قطعا على المخبر الموسيقي، فما هي أهم المميزات التي أهلته لأن يحظى بالموافقة؟ * ما يميز هذا اللحن عن غيره هو كونه يحتوي على 3 مقاطع موسيقية تتكرر تعزف بآلات تقليدية منها البونجو، القصبة موسيقى البدو (الغرب الجزائري)، اللحن إجمالا يمثل الفن الجزائري الأصيل.. وهذا ما أهله لدخول مسابقة الإذاعات العربية، وكل ما نتمناه هو أن يفتك جائزة هذه السنة. - كموسيقي، بما أفادك مجال التدوين؟ * أفادني بالكثير، لقد وسّع آفاقي في مجال الألحان، فأنا الذي درست الموسيقى العالمية ولم تكن لي دراية واسعة بالموسيقى العربية، أصبحت ملما بها، متذوقا لكل الطبوع، خاصة الجزائرية التي بت أدوّنها نوتة بنوتة.. أستمع، وأستوعب وأدون في آن واحد.. كما تحولت الى باحث في التراث الجزائري، بحكم مساعدتي لبعض الطلبة الذين هم على وشك التخرج، أصبحت قادرا على توجيههم لمجالات فنية معينة، خاصة التراث، لنعرف بأهمية هذا الموروث الفني والثقافي الذي يجب أن يخلد من جيل الى جيل، فالجزائر غنية بطبوع رائعة هي كنز الفن الغنائي والطربي، ومنبع سؤوده وافتخاره.. فإنعاش التراث وبعثه والرقي به هو ما نسعى اليوم كموسيقيين لأجله. - على ذكر الانتعاش، بما أن التدوين مهم ومهم جدا بالنسبة للموسيقى، فهل يعرف هذ المجال انتعاشا من حيث الإقبال عليه؟ * في السنوات الأخيرة بدأ يعرف هذا المجال انتعاشا واقبالا من طرف الموسيقيين الشباب، وهذا أمر جميل، فالمجال الموسيقي بحاجة الى أكبر عدد من المدونيين، لينعش الساحة الفنية بدورها بألحان سليمة وجميلة تطرب كل من يستمع إليها. - كموسيقي لك خبرة في مجال التدوين، ما هي أهم ميزة يجب أن يتحلى بها المدون، لينجح في هذا الميدان؟ * الرزانة وتجنب القلق والانفعال، فالمدون يجب أن يكون رزينا إلى درجة كبيرة وصبورا أيضا، وإلا فلن نستطيع قطعا مدّ انتباهه واهتمامه لما يسمعه ليدوّنه، فالصبر والرزانة هما مفتاح نجاح هذا المجال، ناهيك عن الموهبة... - كلمة أخيرة؟ * أؤكد أن لنا فرقا موسيقية في القمة، ولنا معاهد تزخر بالمواهب التي يجب أن تحظى بالرعاية ليزدهر الفن الجزائري ويرتقي، فالإبداع ليس له حدود وارتقاء الشعوب يتجلى في رقي ما تملكه من فن، خاصة الموسيقي التي تعتبر غذاء الروح وبلسم الجروح، لذا علينا الاعتناء بها لتداوينا وتزرع الأمل في نفوسنا، وتخلّد مآثر تراثنا العريق.. وشكرا.