اعتبر المدير العام للأرشيف الوطني، السيد عبد المجيد شيخي، أن الأرشيف الوطني المسترجع من فرنسا منذ الاستقلال إلى اليوم «قليل جدا، مقارنة بما تم تحويله إلى فرنسا على مدار 130 سنة من الاستعمار». وأوضح السيد شيخي في حوار ل(واج) بمناسبة خمسينية الاستقلال، أن «عملية التحويل طالت كذلك فترة ما قبل وجود الدولة العثمانية في الجزائر»، معتبرا أن «الشيء القليل» الذي تم استرجاعه «قدم على أساس أنه هدية و ليس على أنه ملك للدولة الجزائرية». وأضاف أن «الإلحاح» على استعادة هذه الأرصدة «لا يعتبر وليد وقت وجيز بقدر ما يعود إلى بداية الاستقلال»، مؤكدا في ذات السياق أن موقف الدولة الجزائرية من استرجاع الأرشيف الجزائري من فرنسا هو «موقف ثابت وأن الموضوع مطروح على المستوى السياسي بين البلدين و ليس بين دور الأرشيف». وبالرغم من «تصلب» الموقف الفرنسي في معالجة هذه القضية لحد الآن، و»اعتمادها على منطق غير سليم» مفاده أن الجزائر كانت فرنسية، وبالتالي فإن الأرشيف يعود للدولة الفرنسية، فإن الجزائر «استطاعت - حسب ذات المتحدث- من استرجاع البعض منه على فترات، بداية من سنة 1967، وصولا إلى استرجاع رصيد من الأرشيف العثماني بالجزائر». وأضاف السيد شيخي أنه من بين ما تم استرجاعه كذلك، «بعض الوثائق المهمة التي تخص المعاهدات التي أبرمتها الجزائر بين 1550 إلى 1830 مع بعض الدول الأجنبية؛ كالولايات المتحدةالأمريكية، بريطانيا، السويد، ألمانيا، النرويج والدانمارك، باستثناء فرنسا». وكأن الدولة الفرنسية -يضيف المتحدث- «لا تريد أن تقر بوجود علاقات سياسية كانت قائمة بين الدولتين على مستوى رفيع قبل 1830». وبالنسبة للسند القانوني الذي اعتمدت عليه الجزائر في مطالبتها باسترجاع الأرشيف من فرنسا، أكد السيد شيخي بأنه قائم على ما تنص عليه الأعراف الدولية و لوائح الأممالمتحدة، خاصة تلك التي تمت المصادقة عليها سنة 1963، والتي تقر بأن «الأرشيف ملك للإقليم الذي وجد فيه». أما فيما يخص بعض «الإدعاءات» التي مفادها أن استرجاع الأرشيف من شأنه أن «يحدث بلبلة في أوساط المجتمع»، فقد شدد المتحدث في هذا السياق، بأن «أمن الجزائر مسؤولية الدولة الجزائرية ولا أحد يمكنه أن يملي علينا ما نفعله بالأرشيف»، مضيفا بأن «كل ما يتعلق بحياة الأشخاص ليس معدا للتبليغ بحكم ضوابط قانونية معمول بها في جميع دور الأرشيف في العالم». من جهة أخرى، أوضح السيد شيخي بأن مسألة استرجاع القطع الأثرية، على غرار قضية استرجاع «مدفع بابا مرزوق» هي مسألة من «اختصاص وزارة الثقافة من الناحية القانونية»، مضيفا بأن الأرشيف الوطني بإمكانه المساعدة في مثل هذه القضايا من خلال «تقديم المعلومات الأرشيفية لهذه القطع». وأضاف أنه بالعودة إلى قانون الأرشيف، فإن «له اختصاص عام، بحيث يتكفل بالأرشيف المكتوب والمسموع والمرئي وأرشيف الصور وكل وثيقة أو وعاء يحمل معلومة». وفي هذا الإطار، كشف السيد شيخي بأن الجزائر تحصلت مؤخرا على «تسجيلات هامة من ناحية موضوعها التاريخي» من تشيكوسولفاكيا (سابقا)، على غرار فيلم عن الجزائر سنة 1962، والذي يقدم «مقارنة عن الجزائر أثناء حرب التحرير وبعد الاستقلال». و إلى جانب ذلك، كانت الجزائر قد تسلمت في وقت سابق 870 وثيقة من صربيا، تتعلق بالعلاقات الجزائرية اليوغسلافية من سنة 1954 إلى 1980. أما فيما يخص الأرشيف المتعلق بالعهد العثماني في الجزائر، فأوضح السيد شيخي بأن له «قيمة كبيرة»، حيث سيسمح بإماطة اللثام عن كثير من الجوانب المجهولة، لاسيما فيما يخص الحياة السياسة، الإدارية والاجتماعية خلال الحقبة العثمانية في الجزائر. وأبرز أن التعاطي مع مسألة استرداد الأرشيف «تتطلب نفسا طويلا»، مذكرا بأن الجزائر «تلقت وعدا من السلطات التركية بتسليمها نسخة كاملة عن الأرشيف الجزائري الخاص بالفترة العثمانية مرقمنا». ومن بين ما تم استرجاعه، قدم السيد شيخي أمثلة عن بعض الرايات التي كانت توضع في السفن الحربية الجزائرية تعود للعهد العثماني، إضافة إلى لوحات زيتية لمعارك بحرية خاضها الأسطول الجزائري خلال تلك الحقبة. وبالنسبة لمسألة تعامل الأرشيف مع الباحثين، وهل هو متاح أمام المواطنين، أوضح السيد شيخي بأن الأرشيف الوطني «متاح لكل المواطنين والباحثين على حد سواء»، مفندا القول بأن «الأرشيف الجزائري مغلق ويصعب الوصول إليه». وأضاف أن الأرشيف غير المتاح هو «الأرشيف الخاص بالمواطنين أو المتعلق بالحياة الشخصية للأفراد». وخلص السيد شيخي أنه من بين أهداف الأرشيف الوطني «الحصول على أكبر قدر ممكن من الوثائق والنسخ الأرشيفية لتسهيل عمل الباحثين وتزويدهم بكل المعلومات المتاحة، مما سيساهم في تفادي تنقلهم إلى بعض الدول بحثا عن مصادر المعلومات ولاسيما إلى فرنسا».