قبلت السلطات الانتقالية في باماكو، أخيرا، الدخول في مفاوضات مع حركة أنصار الدين الإسلامية والحركة الوطنية لتحرير الازواد في شمال مالي لوضع آليات عملية وتوحيد الجهود من أجل تحرير هذا الجزء من الأراضي المالية من قبضة الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة. واعتبر رئيس الوزراء المالي الشيخ موديبو ديارا، أمس، أنه لا مفر من التفاوض مع حركة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير الازواد اللتين أعربتا عن استعدادهما للدخول في عملية سلمية مع باماكو. وقال ديارا خلال محادثات أجراها مع الرئيس البوركينابي بليز كومباووري الوسيط في الأزمة المالية بالعاصمة وغادوغو أن "التفاوض مع حركة الازواد وأنصار الدين أمر محتوم لان هؤلاء مواطنون ماليون". وأعرب رئيس الوزراء المالي عن أمله في أن تجتمع الظروف الملائمة لإجراء هذا الحوار في أقرب وقت ممكن. ووجدت السلطات الانتقالية في باماكو نفسها مضطرة إلى قبول الجلوس إلى طاولة الحوار مع هاتين الحركتين المحليتين بعد أن قدمتا تنازلات لم تكن متوقعة بعد أن تراجعت حركة أنصار الدين عن مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية بينما أسقط المتمردون التوارق مطلب الانفصال. وقطعت هذه التنازلات الطريق أمام الراغبين في الحكومة المالية في شن عملية عسكرية في شمال البلاد لتحريره من قبضة الجماعات المسلحة المسيطر عليه منذ عدة أشهر. وهو ما جعل رئيس الوزراء المالي يؤكد على ضرورة أن تقود المفاوضات مع هاتين الحركتين إلى سلام دائم ومجتمع تتمتع فيه كل العرقيات بالمساواة بما يسمح بتحديد المطالب الشرعية لكل طرف. ويبدو أن الحكومة الانتقالية في باماكو قد تفطنت إلى الخطإ الفادح الذي اقترفه النظام المطاح به بقيادة الرئيس السابق امادو توماني توري والذي لم يعر أية أهمية لقبائل التوارق في شمال البلاد ولم يعمل على تلبية مطالب كانت منحصرة في بادئ الأمر بالتنمية والمساواة الاجتماعية قبل أن تتطور وتصل إلى المطالبة بالانفصال. وأدركت مدى أهمية وضع يدها في يد هاتين الحركتين لتوحيد جهودها ضد المسلحين الأجانب المنتمين لتنظيم القاعدة والذين وجدوا في شمال مالي معقلا آمنا لهم بعدما غض النظام السابق النظر عنهم بما جعلها تصل إلى قناعة أن الحوار مع الحركات المحلية لا مفر منه وأمر محتوم. والمؤكد أن الحكومة المالية قبلت مكرهة بخيار الحوار مع أنصار الدين والازواد بعدما تعالت أصوات في دول الجوار وفي المنظمات الدولية والإقليمية محذرة من مخاطر عملية عسكرية نتائجها غير مضمونة بما قد تنقلب نتائجه بشكل عكسي على السلطات المركزية في باماكو. ويبدو أن فرنسا التي كانت بمثابة "العراب" المشجع على الخيار العسكري قد اقتنعت هي الأخرى أن القوة لا يمكن أن تكون السبيل الأوحد لتسوية أزمة بذورها اجتماعية واقتصادية وسياسية وأن انتشار الحركات المتطرفة في شمال هذا البلد إنما كان نتيجة حتمية لتكرس مثل هذه المشاكل ضمن وضعية خدمت النظام السابق قبل أن تعصف به في انقلاب مارس الماضي.