احتضن قصر رياس البحر بالجزائر العاصمة معرضا للفنان التشكيلي الشاب عزيز عياشين يضم 30 لوحة، لخّص فيها أفكاره ومذهبه الفني والفلسفي في التشكيل بين الإيحاءات الصوفية والرمزية، إضافة إلى المادة المستعملة من حيث تراكيب الألوان والغراء والرمل ومعجون الطلاء والحبر . عند تجوالنا في المعرض شدتنا عدة لوحات معروضة من ناحية اللون والموضوع، وكذا المادة المستعملة، فهذا المعرض يحمل أكثر من دلالة يهدف من ورائها عياشين إلى العبور بالفن التشكيلي الجزائري إلى خارج المحلية ليعرف به بعد أن لمعت مدرسة التشكيل الجزائري بما أبدعته من إضافات وابتكرته من أساليب على يد كل من محمد خدة واسياخم وباية ومحمد زميرلي ومن الفنانين الحاليين سيد أحمد استانبولي وسعيد شندر. اللوحات المعروضة توزعت على صحن القصر وفي حجرات الطابق الأول، وتستوقف الزائر من خلال رموزها سواء تلك التي اعتمد فيها الفنان توظيف الحروف العربية، أو تلك التي استعمل فيها الرمل والألوان المطعمة بالأصفر والأحمر والبرتقالي والفضي، لوحات “الحروف”، “القناع”، “الثنايا”، “التماثل”، “السكون”، “منبع النور”، “رؤية أمل”، “لحظة تصوف”، “سيدي لخضر” و«خلف الستار”، “حديث الأعماق”، “جلسة سمر” وغيرها من اللوحات ذات التقنية المختلطة جعلتنا نستفسر الفنان عزيز عياشين عن مذهبه الفني فأكد ل«المساء” أنه بعد تخطيه المرحلة الثانوية من التعليم التحق بمدرسة الفنون الجميلة بمستغانم، وهناك تأثر برواد التشكيل الجزائري أمثال خدة واسياخم والفنان المسلم إتيان دينيه دفين بوسعادة. كما أوضح الفنان عزيز أن مدرسته مدرسة جزائرية تبحث في التراث الجزائري، حيث استطاعت هذه المدرسة أن تدخل بعض الأساليب على التشكيل كتوظيف الحرف العربي والأوشام والرموز الشعبية، أما عن تعريفه للفن التشكيلي الجزائري، فيرى عزيز أنه يتكون من مدرستين، مدرسة “الصباغين”، ومدرسة “الأوشام”. استفسرنا الفنان عن سر ذكره للتقنية المختلطة وما المراد منها، فذكر أنه يقصد بالتقنية المختلطة توظيف مجموعة من المواد بطريقة مدروسة متناسقة استوحاها من خلال زياراته لمناطق بداخل الجزائر وخارجها مما سمح له بمعرفة هذه المواد. ومن جانب آخر، ذكر الفنان التشكيلي عزيز الدافع الذي جعله يوظف الجانب الروحي في لوحاته فأوضح أن هذا الجانب يعود لطفولته، لدراسته في الكتاتيب والمدارس القرآنية، حيث كانت الختمة تزين اللوحة بمنمنمات وزخارف وأصباغ في إطار، كما كانت تقام ولائم بمناسبة الختمة، وهذا ما غرس فيه حب الجمال والإبداع، أما عن استعماله للخط المغربي الكوفي فذلك يرجعه لعلاقتنا بهذا الخط، وقال “كنا نكتب به، ضف إلى ذلك أن كل المخطوطات الموجودة في الجزائر هي بهذا الخط المغربي الكوفي الذي يرتبط بتراثنا وثقافتنا”. فيما يخص اختياره لعناوين لوحاته ، مثل” ما وراء القناع “فيرى أنها قد تكون قصة تترك أثرا في نفس الفنان فيعبر عنها بطريقة نفسية لها بعدها الجمالي والفلسفي، كما أن هناك جانبا آخر وهو الجانب الصوفي الذي يفرض على الفنان الأعداد سواء في لوحة “بين الثنايا” أو لوحة “جلسة سمر”، حيث نجدّ أن لهما علاقة بالعدد وبالبعد الفلسفي. ويرد الفنان تعلّقه بالجانب الصوفي للزوايا التي كانت تلعب دورا كبيرا في المحافظة على قيمنا الاجتماعية والثقافية والأخلاقية في ظل استعمار عمل على تهديم هذه القيم وتخريب الهوية الوطنية في داخلنا، وتمزيق كل نسيجنا الاجتماعي الذي كان يمثل الشخصية الوطنية بكل أبعادها الحضارية والتاريخية والثقافية، فبصفتي فنانا تشكيليا أردت توظيف الموروث الفني الشعبي الجزائري برؤية حديثة تسير وفق الاكتشافات العلمية التكنولوجية الجارية. أما الألوان التي اعتمدها في لوحاته فهي الألوان الترابية الحارة كاللون الأصفر والفضي والبرتقالي والأحمر وكل هذه الألوان ذات علاقة بالضوء، حيث الطبيعة تفرض نفسها، وعن رأيه في الفن التشكيلي الجزائري الحالي فإن الفنان عزيز عيّاشين يراه محتشما وسبب ذلك في اعتقاده هو الظروف التي مرت بها الجزائر، لأن الفن الجزائري كان يفرض نفسه في المهرجانات الدولية وفيما يخصه أكدّ الفنان أنّه مايزال يبحث على المواد التي يمكن أن يوظفها في لوحاته مثل الألوان، وتمنى في الأخير أن يصل هذا الفن إلى جمهور أوسع.
بطاقة فنية الفنان عزيز عيّاشين من مواليد 6/10/ 1979م ببلدية الكريمية ولاية الشلف متخرج من مدرسة الفنون الجميلة بمستغانم يشتغل في مركز التكوين المهني والتمهين بالشلف مدرس بالجامعة في مادة الهندسة المعمارية شارك في عدة معارض ومهرجانات وطنية ودولية الجزائر، تونس، المغرب وفرنسا. تحصل على الجائزة الأولى في الملتقى الدولي للفنون في فرنسا “جائزة المهرجان”.