أزاح الوزير الاول، السيد عبد المالك سلال، في ندوته الصحفية، أول أمس، غيمة اللبس التي حاول البعض وضعها على الموقف الجزائري حول ما يحدث في منطقة الساحل بغرض التشكيك في موقفها من أزمة مالي وإضعاف رؤيتها حول الحلول المواتية لها، كما حملت إجاباته حول الطريقة السريعة والدقيقة التي تعاملت بها قوات الجيش الوطني الشعبي مع الإرهابيين الذين نفذوا اعتداء تيقنتورين، رسالة واضحة حول ثبات موقف الجزائر الصارم في مجال مكافحة الإرهاب ورفضها التام لأي تفاوض حول أمنها واستقرارها. فمن الرسائل التي حرص السيد سلال على نقلها للرأي العام الدولي خلال الندوة الصحفية التي نشطها يوم الإثنين الماضي لسرد وقائع التصدي للاعتداء الإرهابي على المركب الغازي ليتقنتورين بإن أمناس، التذكير بأن الجزائر التي ستبقى تعتز بتاريخها الثوري وبمسارها البطولي في محاربة الإرهاب والتطرف، وتفتخر بقوة مؤسساتها النظامية وفي مقدمتها مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، ليست الدولة التي يمكن أن تخضع للإملاءات الخارجية وللضغوط الدولية مهما كان مصدرها، عندما يتعلق الأمر بحماية أمنها ومصالح شعبها، والتصدي لمحاولات زعزعة استقرارها، رافعا اللبس الذي أثير حول القرار الذي اتخذته الجزائر بفتح مجالها الجوي للسماح لطائرات فرنسا التي دخلت في الحرب في مالي، بالتأكيد على أن هذا القرار الذي اتخذته السلطات الجزائرية بكل حرية وسيادة، هو تعبير عن امتثال الجزائر لالتزاماتها أمام الشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن الدولي الذي أعلن تأييده للتدخل الفرنسي في مالي، طبقا للائحة 2085 الصادرة عنه في 21 ديسمبر الماضي. ليكون بذلك قرار فتح مجالها الجوي أقصى شيء تقدمه الجزائر للمجموعة الدولية التي اختارت دعم الخيار الفرنسي المتسرع، على حساب الحل الذي تؤمن به الجزائر ودعوتها المتكررة إلى ترجيح الحوار السياسي والطرق السلمية لتسوية الأزمة الداخلية في هذا البلد الجار، حفاظ على وحدته وعلى سلامته وسيادته. فالجزائر التي اتخذت قرارا سياديا آخر ناتجا عن التطورات السريعة في منطقة الساحل والمتمثل في غلق حدودها مع مالي لأسباب أمنية بحتة مرتبطة بتأمين ترابها وإحكام قبضتها على مناطقها الحدودية والتصدي لمحاولات فرار الجماعات الإرهابية إلى أراضيها، أبلغت العالم بأسره بأنه من مبادئها الدستورية أيضا عدم التدخل في شؤون الغير، ورفض التفريط في سلامة جنودها وإرسالهم إلى خارج الحدود، مع الحرص على استقرارها واستقرار جيرانها. كما بينت للعالم من خلال إنهائها السريع والناجع للاعتداء الخطير الذي تعرض له المركب الغازي لتيقنتورين بعين أمناس، بأنها فعلا قادرة على التصدي لأي تهديد إرهابي يستهدف أمنها ومصالح شعبها ومصالح شركائها في الجزائر، وذلك بفضل احترافية الجيش الوطني الشعبي وكافة المصالح الأمنية التي اكتسبت خبرة كبيرة وتجربة رائدة في العالم في مجال مكافحة الإرهاب، والتي تغنيها كما تغني شركاءها في دول الميدان التي تأسست يقيادتها من أجل مكافحة آفة الإرهاب في منطقة الساحل عن التدخلات الخارجية وحشر الدول الغربية لأنفها في قضايا لا تفقهها أكثر من الدول المعنية مباشرة بهذه الإشكالات. ولمن ظل يشكك في المكانة الدولية للجزائر وفي قوة مواقفها وسيادتها وحريتها في القرارات التي تتخذها بمسؤولية غير منقوصة، جاء رد رئيس الجهاز التنفيذي مطمئنا حتى الذين ”أفزعتهم” ردود الفعل الأولى التي عبرت عنها القوى العظمى من التدخل السريع لقوات النخبة التابعة للجيش الشعبي الوطني، مذكرا بأن الجزائر ليست الدولة التي يمكن مساومتها في شهامتها، وأن فخر الشعب الجزائري بأبناء وطنه من أفراد الجيش الوطني الشعبي حامي البلاد، وثقته الكاملة في قيادته السياسية، تعتبر أفضل رد على كل من تسول له نفسه التدخل في شؤونها الداخلية، وانتقاد خياراتها السيدة في التعامل مع التهديدات التي تستهدف استقرارها وكرامتها. وقد حملت ردود السيد سلال إجابات على الاستفسارات المرتبطة بالموقف الجزائري من التطورات الخطيرة الحاصلة في مالي، توضيحات وافية وكافية وتحليلات حول تمسك الجزائر بالحل السياسي للأزمة التي دخل فيها هذا البلد منذ مارس 2012، وتحليلات حول الانعكاسات الخطيرة التي قد تترتب عن التدخل العسكري في هذا البلد على دول المنطقة ككل، والتي تبقى الجزائر تحذر منها بداعي رفضها تحويل منطقة الساحل إلى ”ساحلستان” (أفغانستان جديد). فالجزائر التي اكتوت بنار الإرهاب لمدة تجاوزت العقد من الزمن، وعرفت كيف تحارب هذه الآفة الخطيرة، بالطرق التي تفضي إلى استئصالها، بالعمل الوقائي والإجراءات السياسية التي حملها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية من جهة، والعمل الأمني والعسكري الهادف بالأساس إلى القضاء على المجرمين المرتزقة من جهة أخرى، تدرك جيدا بأن اتباع الأساليب العنيفة المقتصرة على التدخل العسكري في مالي لن تفضي إلى حلحلة الوضع في منطقة الساحل وانما سيزيد الوضع تعقيدا وتعفنا، لاسيما وأن الازمة المالية تعني أطرافا سياسية لم تخف استعدادها لاتباع الحوار السياسي مع السلطات المالية، وتعهدت في الوقت نفسه بالمساهمة الإيجابية في محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة. ولعل التاريخ وتطورات الوضع في المنطقة خلال الأسابيع أو الأشهر أو حتى الأعوام القادمة ستثبت مرة أخرى للعالم سداد رؤية ومقاربة الجزائر حول سبل تسوية الأزمة في مالي، وتبين أن الدول التي مرت على المقاربة الجزائرية أخطأت تقديراتها بتفضيلها طريق الحرب، وتسرعها في اتخاذ قرار التدخل الذي لن يعمل سوى على تأجيج الوضع المأساوي في منطقة الساحل، وتقوية موقف التنظيمات الإرهابية التي تعطي لنفسها الطابع ”الجهادي”. وحينها قد يقول الجميع بأن الجزائر كانت على صواب، وأنها من الدول القليلة التي تحسن التعامل مع التهديدات الأمنية والتصدي لآفة الإرهاب الأعمى، لأن تعاملها مع هذه الآفة مكنها من تحديد مفهوم الإرهاب الذي لا علاقة له لا بالعرق ولا بالدين ولا بجنسية محددة.