اختار الديوان الوطني للثقافة والإعلام المخرج الراحل عزّ الدين مدور لإحياء أعماله السينمائية لهذا الشهر، في إطار موعد ”فنان في الواجهة”، إذ سطر من 26 إلى 30 مارس الجاري عرض الفيلم الروائي الطويل ”جبل باية” الذي يعد واحدا من روائع الإنتاج السينمائي الجزائري، وقدم بفضله مخرجا لامعا خطفه الموت مبكرا، حتى أنه لم يشهد النجاح الذي حققه الفيلم. بمعدل أربع حصص في اليوم، سيكون عشاق الفن السابع على موعد مع فيلم ”جبل باية” بقاعة ”الموقار” بالجزائر العاصمة، ويعد هذا العمل السينمائي ثاني فيلم ناطق بالأمازيغية بعد فيلم ”الربوة المنسية” للراحل عبد الرحمان بوقرموح، وسمح بأن يكون عزّ الدين مدور اسما يطلق على جائزة لجنة التحكيم للمهرجان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط بتيطوان المغربية. الفيلم أنتج سنة 1999، وفي إحدى دورات المهرجان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط بتيطوان، فكر المنظمون في إحضار الفيلم الأمازيغي ”جبل باية”، ولأنه لم يسبق أن تم التعامل مع الفيلم الأمازيغي، حدث جدال في موضوع مشاركته في المهرجان، واستقر الرأي في إحضاره، إذ تم عرضه على الجمهور المغربي، وترك انطباعا جيدا في أوساطه ولدى السينمائيين المغربيين، ولأن العمل كان رائعا، فقد تحصل على جائزة لجنة التحكيم في فئة الفيلم الطويل، وكانت لجنة التحكيم تضم أسماء قوية وبارزة في السينما العالمية، وبالتالي تم إطلاق اسم عز الدين مدور على الجائزة بعد وفاته، ليعكس بذلك قيمة المخرج الإبداعية العالية. تدور أحداث الفيلم حول الشرف والثأر الذي كان يميز عادات وتقاليد أبناء هذه المنطقة، ”باية” التي قتل زوجها من طرف ابن أحد الحكام الموالين للاستعمار الفرنسي قصد الزواج بها بعد أن أحبّها، وتتسلم ديّة من والد القاتل، فيحاول أبناء قريتها الاستيلاء على قيمة تلك الدية، قصد إعادة بناء قريتهم التي دمرها المستعمر، إضافة إلى إنعاش الزراعة وتربية المواشي التي كانت مصدر العيش الوحيد لأبناء تلك المنطقة، بعد فرارهم إلى الجبال من ظلم الحكام الموالين للاستعمار. بالإضافة إلى إصرارهم على تزويجها لقاتل زوجها قصد كسب رضا الحاكم، ترفض”باية” رفضا قاطعا تلك الفكرة، وتؤكد دائما أن تلك الديّة ستكون نفسها ديّة قاتل زوجها بعد أن يثأر ابنها الوحيد لدم والده المهدور، وذلك ما حصل بعد ما صار ابن باية شابا، واستطاع بأمر من والدته أن يثأر لدم أبيه، وقتل ابن الباي ليلة زواجه، لتكون نفس الديّة التي تلقتها ”باية” في زوجها، هي دية المقتول لوالده. استطاع عز الدين مدور في فيلمه، وبطريقة مذهلة، تصوير الجانب الإنساني الذي كانت تعيشه منطقة القبائل، والتكافل الاجتماعي بين أبناء القرية الواحدة، من خلال احتفالية ”التويزة” في الحقول أو بناء المنازل، إضافة إلى تركيزه أكثر على الصورة والرمزية بدل التصريح المباشر، مثل استحمام الشابة في النهر الذي كان يرمز لدى سكان المنطقة إلى استعدادها للزواج، أو حرق برنوسها مثلا في حالة رفض ذلك. المخرج السينمائي الراحل عز الدين مدور من مواليد 8 ماي 1947 في منطقة سيدي عيش بولاية بجاية، درس الأدب الفرنسي بجامعة الجزائر، ثم تخصص في دراسة السينما في جامعة موسكو بروسيا في سنوات السبعينيات، واستطاع بعد عودته إلى أرض الوطن أن يخرج العديد من الأفلام القصيرة للمؤسسة الوطنية للإنتاج السمعي البصري، بالإضافة إلى عدة حصص تلفزيونية وأفلام وثائقية، من بينها أعماله ”الفتاة والفراشة” سنة 1982، ”كم أحبك” سنة 1985، ”وقائع وحقائق” 1990، ”أسطورة” سنة 1991 و«جرجرة” سنة 1992. وتوفي عز الدين في حادث مأساوي عن عمر 52 سنة، بسبب خطأ تقني أدى إلى انفجار في احد مواقع التصوير، وذلك يوم 16 ماي 2000.