نظمت، أول أمس، مكتبة ''سقراط نيوز'' في إطار النشاطات الثقافية ''ألف نيوز ونيوز''، وقفة تكريمية للمخرج الجزائري الراحل عز الدين مدور، تمتع فيها الحضور بعرض رائعته ''جبل باية''، بحضور مجموعة من المهتمين بالسينما الجزائرية عامة والناطقة بالأمازيغية خاصة، إلى جانب مجموعة من أصدقاء الراحل· عرض فيلم ''جبل باية'' لصاحبه عز الدين مدور كان متبوعا بحلقة نقاش حول خصوصيات الفيلم، وكذا بعض اختياراته من خلال الألبسة ومناطق تصوير المناظر، حيث أكدت خديجة حمصي، المكلفة بالملابس في الفيلم، وقريبته في نفس الوقت، أن المخرج كان يراقب كل شيء بخصوص عمله، ولم يترك أبدا شيئا للصدفة· يعتبر فيلم ''جبل باية'' للراحل عز الدين مدور من بين أول الأفلام الناطقة بالأمازيغية التي أُنتجت في الجزائر سنة 1997 بعد فيلم ''الهضبة المنسية'' لعبد الرحمان بوقرموح، الذي يعود في تصوير تاريخي إلى حياة سكان منطقة القبائل في السنوات الأولى من دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر· تدور أحداث الفيلم حول الشرف والثأر الذي كان يميز عادات وتقاليد أبناء هذه المنطقة، ''باية'' التي قتل زوجها من طرف ابن أحد الحكام الموالين للاستعمار الفرنسي قصد التزوج بها بعد أن أحبّها، تتسلم دية من والد القاتل، ويحاول أبناء قريتها الاستيلاء على قيمة تلك الدية، قصد إعادة بناء قريتهم التي دمرها المستعمر، بالإضافة إلى إنعاش الزراعة وتربية المواشي التي كانت مصدر العيش الوحيد لأبناء تلك المنطقة بعد أن هربوا إلى الجبال من ظلم الحكام الموالين للاستعمار· بالإضافة إلى إصرارهم على تزويجها لقاتل زوجها قصد كسب رضى الحاكم، ''باية'' ترفض رفضا قاطعا تلك الفكرة، وتؤكد دائما أن تلك الدية ستكون نفسها دية قاتل زوجها بعد أن يثأر ابنها الوحيد لدم والده المهدور، وذلك ما حصل بعد أن صار ابن باية شابا واستطاع بأمر من والدته أن يثأر لدم أبيه، وقتل ابن الباي في ليلة زواجه، لتكون نفس الدية التي تلقتها ''باية'' في زوجها، هي دية المقتول لوالده· استطاع عز الدين مدور في فيلمه وبطريقة مذهلة تصوير الجانب الإنساني الذي كانت تعيشه منطقة القبائل، والتكافل الاجتماعي بين أبناء القرية الواحدة، من خلال مناظر ''التويزة'' في الحقول أو بناء المنازل، إضافة إلى تركيزه أكثر على الصورة والرمزية بدل التصريح المباشر، مثل استحمام الشابة في النهر الذي كان يرمز لدى سكان المنطقة لاستعدادها للزواج، أو حرق برنوسها مثلا في حالة رفض ذلك· الأمر الملفت للانتباه أيضا في الفيلم هو تركيز المخرج على الأشياء البسيطة والحياة اليومية، بالإضافة إلى توظيف الأسطورة في الفيلم من خلال حكاية إله المطر ''آنزار'' الذي تُقدم له فتاة شابة في حالة انقطاع الغيث عن المنطقة· عز الدين مدور استطاع وبكل بساطة، وبعيدا عن التعصب، إبراز الوجه الحقيقي لسكان منطقة القبائل الذين يسمون بالبربر في تلك الفترة، وإظهار تمسكهم بالعادات والتقاليد المتوارثة حتى وإن كان ثمنها الدم والروح كما حصل لبطلة الفيلم ''باية'' في النهاية· للإشارة، فإن المخرج السينمائي الراحل عز الدين مدور من مواليد 8 ماي 1947 في منطقة سيدي عيش بولاية بجاية، درس الأدب الفرنسي بجامعة الجزائر، ثم تخصص في دراسة السينما في جامعة موسكو بروسيا في سنوات السبعينيات، واستطاع بعد عودته إلى أرض الوطن أن يخرج العديد من الأفلام القصيرة للمؤسسة الوطنية للإنتاج السمعي البصري، بالإضافة إلى عدة حصص تلفزيونية وأفلام وثائقية، من بينها أعماله ''الفتاة والفراشة'' سنة ,1982 ''كم أحبك'' سنة ,1985 وقائع وحقائق ,1990 ''أسطورة'' ,1991 ''جرجرة'' ,1992 ومن بين الأفلام الطويلة التي أخرجها وحققت صدى واسعا هو الفيلم الناطق بالأمازيغية ''جبل باية''· عز الدين رحل إلى الأبد سنة 2000 عن عمر يناهز 52 سنة، ولم يتمتع أبدا بالفيلم الذي أخرجه ولم يحتفل بالصدى الذي حققه·