بدأت الشكوك تحوم حول حظوظ نجاح العملية العسكرية والسياسية في مالي، ثلاثة أشهر منذ بدء التدخل العسكري الفرنسي الرامي إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية الناشطة في شماله، وكذا استعادة الاستقرار والوحدة الترابية المفقودة فيه. ففي الوقت الذي اعترفت فيه الحكومة الفرنسية أن قواتها لن تنسحب من مالي كما كان مقررا لها الشهر الجاري، راحت التوقعات تتكهن أيضا بعدم قدرة السلطات الانتقالية في باماكو من تنظيم الانتخابات الرئاسية شهر جويلية القادم. فعلى عكس كل التقارير الرسمية الفرنسية وتصريحات مختلف المسؤولين في باريس بالشروع في سحب أولى طلائع القوات الفرنسية من مالي بحلول هذا الشهر، تراجع الرئيس فرانسوا هولاند ومعه وزيره للدفاع جون ايف لو دريان عن تكهناتهما، ليؤكدا أن الانسحاب لن يكون إلا بحلول شهر أفريل القادم وعلى مراحل. ورغم أن باريس منحت لقواتها مهلة أخرى، إلا أنها تبقى في قرارة نفسها غير متأكدة من تحقيق الهدف الذي سطرته لها بالقضاء على التنظيمات الإرهابية، وخاصة وأن كل الخبراء أجمعوا على أن المهمة لن تكون سهلة بناء على ما كشفه الواقع الميداني طيلة ثلاثة أشهر منذ بدء عملية التدخل. وهي القناعة التي انتهى إليها وزير الدفاع الفرنسي، الذي ترك باب الانسحاب مفتوحا، ولم يشأ ربط العملية بآجال معينة تفاديا لأية انتقادات قد تطال السلطات الفرنسية في حال طالت العملية العسكرية وعجزت عن تحقيق أهدافها، مما جعله يؤكد أن العملية ستطول لأشهر أخرى. وتأكد المسؤول الأول العسكري من هذا الواقع بعد زيارة قادته لأول مرة إلى منطقة جبال ايفوغاس في أقصى شمال شرق مالي، أين وقف على خطورة الوضع العسكري، وأن حسمه لن يكون بالسهولة التي توقعتها باريس عندما دافعت عن عملية التدخل بأنها ستنتهي بحلول الشهر الحالي وبصفر ضحية. وحتى إذا سلمنا أن القوات الفرنسية ستنسحب مهما طالت مدة بقائها، فإن المؤكد أيضا، أنّ مهمة القوات الإفريقية التي ستتولى مهمة تأمين ولايات شمال مالي بعد الانسحاب الفرنسي لن تكون أسهل، إذا سلمنا أنّ التنظيمات الإرهابية لا تريد التخلي عن مكاسبها المحققة بالسرعة التي تريدها باريس. والحقيقة، أنه كلما طال عمر العملية العسكرية، كلما دبّ الشك حتى في نفوس المدافعين عنها وألب عليها المعارضين لها. ولم تكن انتقادات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الأولى من نوعها لعملية "سيرفال"، سوى فرصة أمام اليمين الفرنسي للتضييق على الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند، على اعتبار أن كل فشل يعد ورقة ضغط إضافية بين يدي المعارضة الفرنسية للتشكيك في قدرته على تسوية مأزق كان في منأى عنه. وفي الوقت الذي بدأ الشك يدبّ في دوائر السلطة الفرنسية حول قدرتها على احتواء وضع غير مستقر، يسود الاعتقاد أيضا أن السلطات الانتقالية المالية لن تتمكن هي الأخرى من العودة بمالي إلى الحياة السياسية "الديمقراطية" بحلول شهر جويلية القادم، المهلة التي منحها الرئيس ديونكوندا طراوري لنظامه من أجل تنظيم انتخابات رئاسية تعددية، وإنهاء حالة الفراغ الدستوري الذي يعيشه هذا البلد منذ الإطاحة بنظام الرئيس امادو توماني توري شهر مارس من العام الماضي. ويبدو أن الضغوط الدولية الممارسة على السلطات المالية من أجل إنهاء الوضع الانتقالي من خلال تنظيم انتخابات عامة ورئاسية ديمقراطية، يبقى مجرد حلم لن يتحقق إذا سلمنا أن تنظيم أية انتخابات يستدعي الاستقرار والأمن، وهما العاملان المفقودان إلى حد الآن في بلد اجتمعت فيه كل عوامل الفرقة والشقاق الكفيلة بإطالة عمر أزمة لا تكفي الشهور لتسويتها.