الحملة المغربية على الجزائر تتناقض والإرادة السياسية للبلدين
ربط وزير الشؤون الخارجية، السيد مراد مدلسي، عقد قمة مغاربية بتوفر "كل الشروط" التي تسمح بإنجاحها، مشيرا إلى أن الأخيرة ليست متوفرة حاليا بسبب الوضع الأمني السائد في الساحل والمغرب العربي. واعتبر من جانب آخر أن الحملة الاعلامية المغربية الحالية ضد الجزائر تناقض سعي الدولتين وإرادتهما السياسية إلى المضي قدما في علاقاتهما الثنائية. وشدد بالمقابل على أن الجزائر لاتريد أن تتحول حادثة الطفل إسلام إلى "قضية سياسية". وشكل انعقاد القمة المغاربية التي لم تلتئم منذ 1994 أهم المواضيع التي تطرق إليها وزير الشؤون الخارجية خلال استضافته، أمس، بالقناة الاذاعية الثالثة، إذ عاد للتذكير بموقف الجزائر إزاء الظروف التي يجب توفرها من أجل عقد هذه القمة التي طال انتظارها. مدلسي الذي اعتبر أن سير اتحاد المغرب العربي يتم وفق "مسارعادي"، وقال إن الدول المغاربية دخلت مسارا جديا لتحضير قمة اتحاد المغرب العربي، شدد على أن عقد هذه القمة مرتبط بتوفر "كل الشروط لاسيما ما تعلق منها بالوضع الأمني في المنطقة". لكن الوزير عبر عن اقتناعه بأن الظروف المناسبة لم تتوفر بعد لالتئامها، قائلا "مازلنا بعيدين اليوم عن توفر كل الشروط التي نعتبرها ضرورية لإنجاح هذه القمة"، خاصا بالذكر الوضع الأمني السائد في المغرب العربي والساحل، إذ يعتبر التحكم فيها "شرطا أساسيا لعقد القمة" كما أضاف. وفي السياق، أعلن عن عقد اجتماع لوزراء الداخلية قريبا بالرباط المغربية قصد مواصلة المسار الذي تم إطلاقه بالجزائر في جويلية 2012 حينما ناقش وزراء الشؤون الخارجية المسألة الأمنية. وهو اللقاء الذي استعرض فيه المجتمعون –كما ذكر السيد مدلسي- الخطر الأمني في المنطقة، وخرج ب«أرضية الجزائر" التي سمحت بتفسير هذا الخطر لاسيما الخطر الناتج عن "تطورات الأزمتين الليبية والمالية". وأشار إلى أنه انطلاقا من هذا الاجتماع تقرر أن يجتمع ممثلو جميع الهيئات المعنية بالمسائل الأمنية في بلدان الاتحاد المغربي بانتظام بهدف الخروج بخارطة طريق واستراتيجية مشتركة لمكافحة انعدام الأمن. ولدى تطرقه إلى آخر التطورات في العلاقات الجزائرية المغربية، وبالضبط للحملة الاعلامية الأخيرة التي شنتها وسائل إعلام رسمية مغربية على الجزائر، صرح وزير الشؤون الخارجية أن هذه الحملة الإعلامية المغربية ضد الجزائر "تتناقض وإرادة الجزائر والمغرب في المضي قدما". وكشف بأن الجزائر ناقشت مع الأشقاء المغربيين "بكل رزانة" هذه المسألة، وقال "نحن نسجل بالفعل أن المناخ المترتب عن هذه الإعلانات الإعلامية لاسيما عندما تنشرها وكالة أنباء تابعة للدولة، يتناقض والارادة السياسية لكل من الجزائر والمغرب في المضي قدما"، لافتا الانتباه إلى أن هذه الحملة تتزامن مع زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بمسألة الصحراء الغربية السيد كريستوفير روس إلى الجزائر وإلى المنطقة، والتي تمنى أن "تشكل خطوة إلى الأمام بين طرفي النزاع أي المغرب والبوليساريو". وحول فتح الحدود الجزائرية-المغربية، قال مدلسي إنها قضية ثنائية وأنه يتعين على الطرفين البحث عن حل لها في إطار ثنائي. أما بخصوص قضية الطفل الجزائري إسلام خوالد المحبوس بالمغرب بتهمة "اعتداء جنسي" على طفل مغربي، فأوضح أن "الجزائر لا تنوي التشكيك في سيادة القضاء المغربي الذي سيفصل في القضية". وقال "دورنا نحن هو التعبير بصفة ثابتة وواضحة عن تضامننا مع هذا الفتى ومع عائلته، وهذا ما فعلنا وماسنفعل باستمرار". وأعرب عن أمله في أن يسمح الطعن المقدم من طرف عائلة الطفل إسلام للقضاء المغربي بكشف ما حدث فعلا. وحسب الوزير، فإن المعلومات المتوفرة "تبين أنه ليس هناك ما يدعو لخلق وضع مماثل بالنسبة للعائلتين (المعنيتين)، وأقل من ذلك لجعل هذه الحادثة قضية سياسية"، مشددا "نحن (الجزائر) لا نريد أن نجعل منها قضية سياسية". على صعيد آخر، عاد السيد مدلسي للحديث عن الملف السوري وبالضبط تحفظات الجزائر إزاء منح مقعد سوريا في الجامعة العربية للمعارضة خلال قمة الدوحة الأخيرة، مشيرا إلى أنها استندت إلى ميثاق المنظمة "الذي ينص على أنه لا يحق الحصول على مقعد بالجامعة إلا للدول". إذ ينص ميثاق الجامعة في مادته الثامنة على أنها "جامعة بين دول يجب أن يحترم بعضها البعض". وأكد أن الجزائر في ظل احترام الميثاق لم تكن لترافق مبادرة ترمي إلى "تمكين كيان ما ليس بدولة من الحصول على مقعد دولة عضو في الجامعة العربية"، مشيرا إلى أن الجزائر من الدول التي تدعو إلى الالتزام بالميثاق "وإذا اقتضى الأمر تغييره فسيتم فتح نقاش حول مضمون الميثاق الجديد". وعن موقف الجزائر إزاء الوضع في سوريا، أكد الحرص على أن يتم احترامها كدولة، وأن الجزائر لا تسمح لنفسها بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى و«لا يمكن أن نكون أكثر وضوحا من ذلك إذ لا يمكن أن نقرر بدل السوريين وعلى السوريين أن يقرروا بأنفسهم". وذكر بأن نظرة الجزائر للتحولات في الدول العربية "لم تختلف ولم يشبها أي تمييز" بدءا بالأحداث في تونس وليبيا ومصر إلى سوريا ودول أخرى "فموقف الجزائر ظل ثابتا"، كما أضاف. وبخصوص حظوظ نجاح مهمة الدبلوماسي الجزائري الأخضر الابراهيمي في سوريا، قال "لا نعتقد أنها تحظى بفرص للنجاح مع أننا نتمنى لها ذلك لكننا والابراهيمي في المقام الأول ندرك تماما مدى تعقيد المهمة". ولدى تطرقه لمستقبل الجامعة العربية، أكد الوزير أنه يتم حاليا الترويج لمشروع جديد لإصلاح الجامعة العربية بهدف دمقرطة سيرها وإضفاء المزيد من الفعالية عليه وتكييفه مع الأوضاع الراهنة. وأشار إلى أن المشروع تم إعداده ولكن لم تتم المصادقة عليه بعد، لان الجامعة العربية تفضل "التريث". وعبر عن اقتناعه بأن إصلاح الجامعة العربية يتطلب إشراك كل الدول الأعضاء، مضيفا أن "دولا أعضاء هامة تبحث بدورها عن إصلاحات لأنظمتها، لذا فمن الصعب بالنسبة لها إبداء مواقفها إزاء إصلاح الجامعة العربية ما لم تقرر بعد الإصلاحات الخاصة بها". وتعليقا عن ظاهرة "الربيع العربي"، صرح مدلسي "لقد عشناه بأنفسنا منذ 20 سنة وما نشاهده اليوم حولنا في الدول المجاورة لم يتم تسجيله في الجزائر...إن الجزائر تتفتح أمام الديمقراطية وتسمح للجميع بالتعبير عن أرائهم لكن لايمكن بأي حال من الأحوال ربط مسائل الاحتجاجات الاجتماعية في الجزائر بما يجري في الدول المجاورة". وعن الوضع في مالي، قال إنه يبقى "مقلقا للغاية" رغم بداية عودة المؤسسات إلى شمال هذا البلد. لكنه اعتبر أن الخيار العسكري الذي سمح بعودة هذه المؤسسات "لا يمكن أن يكون الحل الوحيد"، موضحا أن تطلعات الماليين في هذا المجال تبقى "هامة". ويتعلق الأمر، حسب مدلسي، بالقدرة على تحويل البعثة الأممية لدعم مالي إلى بعثة تنشط تحت لواء منظمة الأممالمتحدة "من أجل ضمان تشكيل الجيش المالي والسماح لهذا البلد باستعادة مجموع أراضيه إضافة إلى ترقية الحوار بين الماليين من أجل التوصل إلى تحقيق المصالحة الوطنية". هذه الأخيرة تسمح بوضع العناصر الأساسية لدولة مالي الجديدة لاسيما عبر إعداد دستور جديد وإجراء انتخابات. وبخصوص عملية إعادة بناء مالي، أوضح الوزير أن الجزائر لعبت دوما دورها كجار "مفضل" لهذه الدولة.