أبدى رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، عدم رضاه عن واقع السياحة في الجزائر، مشيرا إلى أن المؤهلات الطبيعية التي تتوفر عليها بلادنا لا تكفي للنهوض بهذا القطاع، بل تبقى مرهونة بمدى القدرة على تحويل هذه القدرات السياحية من مادة خام إلى عروض ومنتوجات سياحية ذات مواصفات تؤهلها لاحتلال مكانة خاصة ومميزة. جاء ذلك في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال الجلسات الوطنية للسياحة، قرأها نيابة عنه، السيد محمد علي بوغازي، مستشار برئاسة الجمهورية، حيث لم يفوت الرئيس بوتفليقة الفرصة للتذكير بمختلف التدابير التي اتخذتها الدولة بغرض تشجيع الاستثمار والنشاط السياحي في إطار الحوافز الجبائية وشبه الجبائية في قوانين المالية المختلفة وكذا تلك المتعلقة بالعقار. كما تطرق في هذا الصدد، إلى المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية، مشيرا إلى أنه يشكل الإطار الإستراتيجي المرجعي للسياسة السياحية في بلادنا، والتي حددت الدولة الجزائرية بموجبه نظرتها للتنمية السياحية الوطنية عبر مراحل محددة على المديين القصير والمتوسط والمدى البعيد، إضافة إلى الأدوات الكفيلة بتنفيذها وشروط تحقيقها الذي يبرز من خلالها ضمان التوازن الثلاثي المتمثل في العدالة والفعالية الاقتصادية والدعم الإيكولوجي". ويندرج هذا كله - يضيف رئيس الجمهورية - في إطار التنمية المستدامة خلال العشرين سنة المقبلة وذلك في سياق مسعى تنويع الاقتصاد الوطني المنتج خارج المحروقات، باعتباره أحد القطاعات المحورية لدعم النمو إلى جانب قطاعات أخرى منتجة كالصناعة والفلاحة وغيرها". وفي إطار إبراز مساعي الدولة من أجل إعطاء دفع للقطاع، أكد رئيس الجمهورية أنّ الدولة عملت جاهدة وبلا توان على توفير المناخ الملائم لتجسيد هذه الرؤية، من خلال إطلاقها لبرامج طموحة كتلك المتعلقة بدعم الإنعاش الاقتصادي 2001-2004 وبرنامج دعم النمو الاقتصادي 2005-2009 وكذا برامج تنمية الجنوب والهضاب العليا والبرنامج الخماسي 2010-2014، قصد تعزيز البرامج السابقة. وكما استدل رئيس الدولة بعدد من المشاريع الكبرى للتجهيزات العمومية، كتوسيع شبكة الطرق السيارة وعصرنة خطوط السكك الحديدية وتجسيد مشروع مترو الجزائر وترامواي الجزائر ووهران وقسنطينة وغيرها من المشاريع الضخمة المماثلة. كما ذكر بكسب رهان توفير المياه الصالحة للشرب، من خلال دعم شبكة السدود وبناء محطات تحلية مياه البحر ومشروع القرن لتحويل المياه الصالحة للشرب من عين صالح إلى تمنراست، إضافة إلى الورشات الكبرى لتهيئة الإقليم والتهيئة المستدامة والمشاريع الكبرى للطاقة والورشات الكبرى لتكنولوجيات الإعلام والاتصال وتطوير شبكة الهاتف بأنواعه. وبالمناسبة، أكد الرئيس بوتفليقة بأن قطاع السياحة سيستفيد "حتما" من هذه البرامج، باعتباره "قطاعا أفقيا بامتياز" يتداخل مع العديد من قطاعات المؤسسات الأخرى، مؤكدا أنه يتطلب تجنيد الجميع لتوفير الظروف والمحيط الملائم لنموه وتطويره". وبخصوص الجلسات الوطنية للسياحة، أكد رئيس الدولة بأنها تهدف إلى تشخيص وتقويم السياسات والبرامج التي تم اتخاذها منذ اعتماد الحكومة لمخطط التهيئة السياحية سنة 2008، خصوصا ما أرتبط بمحاوره الخمسة الكبرى. ويتعلق الأمر -كما أوضح الرئيس بوتفليقة- بمخطط تثمين الجزائر كوجهة سياحية من أجل زيادة جاذبيتها وتنافسيتها وتطوير الأقطاب السياحية للامتياز، عن طريق عقلنة الاستثمار والتنمية بهدف إبراز أصالة مكامن الجزائر السياحية. وتكمن هذه المحاور أيضا في وضع حيز التنفيذ مخطط الجودة للارتقاء بالعروض السياحية إلى مستوى المقاييس الدولية في مجال الجودة والنوعية، وكذا تعزيز التعاون والتكامل بين مختلف القطاعات ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بقطاع السياحة وتسهيل الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص. ويتمثل خامس محاور هذا المخطط -بالنسبة للرئيس بوتفليقة - في دعم ومرافقة الاستثمار بهدف تعزيز طاقات الإيواء كما ونوعا، وذلك بفضل تمويل واضح وإجراءات بسيطة تسمح بجلب المستثمر المحلي والأجنبي. وخلص رئيس الجمهورية إلى القول، بأن التنمية السياحية وتطويرها "هي من تطلعاتنا وطموح كبير نصبو إليه جميعا، والدولة من جانبها أولت دورا مركزيا ومحوريا هاما لإنعاش النشاط الخدماتي وتوسيع شبكة السياحة لخلق مناصب شغل دائمة وموسمية من خلال توفير مناخ لائق ومستقطب. وكانت أشغال الجلسات الوطنية الثانية للسياحة قد انطلقت أمس بقصر الأمم (الجزائر العاصمة)، حيث سيتم خلالها مناقشة وضعية وآفاق السياحة الوطنية وتقديم حصيلة القطاع خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، أكد وزير السياحة والصناعة التقليدية، السيد محمد بن مرادي، في كلمة ألقاها لدى انطلاق الأشغال على أهمية "تجسيد المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية الذي حدد فيه جملة من الأهداف تدور أساسا حول النهوض بالسياحة. وأوضح وزير السياحة، أن تطبيق هذا المخطط من "شأنه تشجيع ودعم الاستثمار لتعزيز القدرة الإيوائية وتحسين جودة العروض السياحية ونوعية الخدمات المتعلقة أساسا بالفندقة والتكفل بتهيئة الفنادق وتأهيل الموارد البشرية ودعم وكالات السياحة والأسفار، إضافة إلى تثمين المقصد السياحي وتعزيز السياحة الداخلية ". وبعد أن ذكر بالمكانة السياحية التي كانت تتمتع بها الجزائر في فترتي السبعينيات والثمانينيات، دعا الوزير إلى ضرورة "استخلاص الدروس من هذه التجربة، لإعادة بناء السياحة وتعزيزها بالقدر الذي يجعل منها مقصدا مرموقا على مستوى البحر الأبيض المتوسط". وبالنسبة للوزير، فإن ذلك "غير مستحيل" كون النهوض بالسياحة "هدفا مقصودا في ظل توفر الإرادة السياسية والرؤية الواضحة ومقاربة العمل التي تتسم بالطموح والواقعية". مشيرا إلى أن الجلسات الوطنية للسياحة "محطة هامة لتقييم ومراجعة وتقويم الأداء" بعد مرور خمس سنوات، بعد اعتماد هذا المخطط الذي يشكل كما قال "الإطار الإستراتيجي للسياحة في الجزائر وأدوات تنفيذها عبر مرحلتين على المدى المتوسط والبعيد". من جهة أخرى، أشار وزير السياحة إلى أن الطلب على التكوين في مجال السياحة سيصل سنة 2015 إلى حدود 200 ألف منصب بيداغوجي سنويا في مختلف التخصصات، كما أثار النقائص التي يعاني منها القطاع حاليا في مجال التكوين كعدم إمكانيته الاستجابة للطلب المرتفع، نتيجة تطور حجم التشغيل في القطاع". من جهته، أكد كاتب الدولة المكلف بالسياحة لدى وزير السياحة والصناعات التقليدية السيد محمد الأمين حاج سعيد، أنّ الجزائر تمتلك مؤهلات تسمح لها بأن تكون وجهة سياحية بالدرجة الأولى. والتي تعد "قاعدة متينة لتحويل الأقاليم الجزائرية الساحرة إلى وجهات سياحية من الدرجة الأولى". من جهته، أوضح المدير الإقليمي لبرنامج إفريقيا التابع للمنظمة العالمية للسياحة، السيد عصمان ندياي، أن الاستغلال "الإيجابي" وتثمين الثروات الطبيعية الهائلة التي تزخر بها الجزائر يمكن أن يساهمان في تحقيق التنمية " المستدامة" لسياحتها، مشيرا إلى أن "الجزائر بلد يزخر بثروات طبيعية هائلة، يمكنها إذا استغلت بشكل عقلاني أن تساهم في التنمية المستدامة للسياحة التي ترتكز أساسا على محيطها بأبعاده الطبيعية والثقافية والاجتماعية". وأوضح السيد ندياي، أن المنظمة مستعدة لوضع خبرتها تحت تصرف الجزائر من أجل ترقية سياحة "تحترم البيئة"، مضيفا أن ذلك سيسمح للجزائر ب«تنويع" اقتصادها. كما أشار المتحدث، إلى الاهتمام الذي توليه الجزائر للقطاع السياحي من خلال إدراجه ضمن المحاور الأولية لبرنامجها المتمثل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعداد إستراتيجية وطنية من أجل ترقية القطاع.