في دول الغرب وأمريكا بالتحديد، تُبنى مخططات الإستراتيجية المستقبلية على منتجات رجال الفكر والثقافة، سواء في السياسة أو الاقتصاد، وبالخصوص السياسية الخارجية التي تراعي فيها أساليب الهيمنة، وإيجاد مناطق نفوذ لتأمين المصالح القومية. فبعد انتهاء الحرب الباردة، انصب الاهتمام على نقل الصراع من الأيديولوجيا إلى الثقافة، وهنا برز دور المفكر صموئيل هينتنغتن الذي ابتدع فكرة صراع الحضارات، وحذر من انحصار النفوذ الغربي وانبعاث الثقافات المحلية، وركز على الصراع مع الإسلام، الذي نتج عنه ما يطلق عليه مكافحة الإرهاب. فالنخبة المثقفة، هي التي تقود المجتمع وتحدد مساره من خلال ما تنتجه من أفكار تساهم في دعم التنمية المستدامة وتساعد على تنشئة جيل طموح مفعم بالأمل، بنبذ الاتكالية، ويسخر سواعده للبناء وليس للهدم. فجيل نوفمبر الذي حرر الوطن، هو نتاج فكر البشير الإبراهيمي وابن باديس وغيرهما من مفكري وعلماء الجزائر، لكن اليوم وخلال الأزمة التي مرت بها الجزائر (العشرية السوداء)، نجد أن المثقفين والأدباء ورجال الفكر انكفؤوا على أنفسهم، ولم يكن لهم دور فاعل في قيادة الجماهير، وللأسف، فإن هذا الوضع عمّ معظم الدول العربية، فالمفكر عبد الله الغذامي يقول : إن "الربيع العربي" كشف زيف المثقفين وأسقط عنهم أقنعتهم ووهم قيادتهم للجماهير، في ظل هيمنة وشرعية الجماهير التي صنعت الثورات. وفي سنة 2004، أصدر كتابا بعنوان: "الثقافة التلفزيونية، ركز فيه على فكرة سقوط النخبوية وبروز الشعبي. انكفاء المثقف، أو تغييبه وتهميشه أو موته، فتح المجال لأكاديميات التغيير، وصُناع الفتنة والإطاحة بالأنظمة، للتغلغل إلى عقول الشباب، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فصنعوا منهم معاول للهدم والتخريب بدل البناء والتشييد.