تحمل الدساتير الجزائرية ميزات وخصوصيات لا تجدها في دساتير العالم، فيكفي أن تعلم أنّ أقصر الدساتير عمرا في العالم، هو دستور 1963 الذي صودق عليه في استفتاء شعبي وأشرفت لجنة قضائية عليه، غير أنه لم يدم سوى 13 يوما فقط، كما أن دساتيرنا السابقة غيبت فيها الأحكام والنصوص المتعلقة بالحقوق والحريات فجاءت شحيحة في هذا الجانب، كما أن من بين ميزاتها كونها الأكثر تعديلات، بدليل نحن اليوم أمام التعديل السادس لنصل إلى الوضع والتعديل العاشر في ظرف 50 سنة فقط، فيما استفتي خمس مرات حول الدساتير السابقة وتعديلاتها. ومعروف عن الدساتير السابقة، احتواؤها أخطاء كثيرة سواء في الشكل أو المضمون، عسى أن يصلح التعديل الحالي أبرز النقاط ويسد أكبر الثغرات. وفي حديث مع الأستاذ والمختص في القانون الدستوري، السيد محمد فادن، أعطى هذا الأخير قراءة نقدية في دستور 96 باعتباره آخر الدساتير، مُركزا على الأخطاء اللغوية والتحريرية التي جاءت فيه، دون أن يغفل بعض التناقضات التي يحملها هذا الدستور الذي رغم عيوبه يعتبر من أحسن الدساتير، وذكر المتحدث عيوب الدساتير السابقة التي أجمعت على تغييب نقطة مهمة وهي الحريات والحقوق التي ظلت بعيدة عن التناول، باستثناء دستور 76 الذي أعطى وحدد بوضوح الحرية للمرأة.
الدساتير الجزائرية.. شحّ في الحقوق والحريات ويمكن القول - يشير الأستاذ فادن- بأن دستور 1963 هو دستور المجلس التأسيسي ودستور 1976 هو دستور الميثاق الوطني و1989 دستور أحداث الخامس أكتوبر، أما دستور 1996 فهو دستور العشرية السوداء بمعنى الأحداث التي عرفتها الجزائر خلال بداية العشرية، وإجمالا فقد أثرت وتأثرت دساتيرنا بجملة من الأحداث والوقائع، وعليه جاءت متباينة في مضمونها وأهدافها بشكل واضح وعكسي في كل مرة، وهذه أول نقطة تُعاب على دساتيرنا التي لم تكن لها نظرة أو بعد مستقبلي إستراتيجي. وفيما يتعلق بدستور 63 وهو من أقصر الدساتير عمرا وهو الذي لم يدم سوى 13 يوما فقط، وذلك بعد أن تم الاستفتاء عليه ونشره في الجريدة الرسمية يوم 10 سبتمبر 63، وتم توقيف العمل به من قبل الرئيس الأول للدولة الجزائرية، الراحل أحمد بن بلة في 23 سبتمبر 1963، بإعلانه الحالة الاستثنائية للبلاد، استنادا إلى المادة 59 من هذا الدستور، وقد جاء هذا الدستور في ظروف صعبة. ورغم ذلك، فقد تضمن دستور 1963 مسائل إيجابية خاصة فيما يتعلق بالنظام السياسي الذي اختير في ذلك الوقت، بحيث يشير الدستور وبشكل واضح من خلال مادة صريحة، إلى تفادى الأخذ بالنظام الرئاسي ولا النظام البرلماني التقليديين، خاصة بعد أن عاين بأنّ النظام البرلماني يفتح المجال للا استقرار، وعليه لم يكن بالإمكان الأخذ به على اعتبار أن التشكيلات البرلمانية تتغير وبالتالي تغير الأنظمة، وهذا يؤثر على بلد حديث في الاستقلال، وعليه تم الاتفاق على نظام خاص بالجزائر..، أمّا في مجال الحقوق، فكان هناك احتشام في الحريات ولم تكن هناك إلا بعض الحقوق الأساسية كالتعليم. وكان دستور 1963 لا يعترف إلا بالسلطة التنفيذية التي كان يجسدها رئيس الجمهورية في عهدة مدتها 5 سنوات غير مقيدة ومفتوحة، أما باقي السلطات فلم تكن واردة وكان الحديث عنها يتم على اعتبارها أجهزة، بحيث كان يصف العدالة كجهاز، القضاء كجهاز والمجلس الوطني كجهاز أيضا، علما أنّ هذا الدستور نصّ على ما يعرف بالمجلس الدستوري، وغلب عليه الطابع القضائي بتعيين قضاة، وهو الدستور الوحيد الذي غلب الطابع القضائي على هيئة الرقابة الدستورية، ويعتبر هذا الدستور جامدا، إلاّ أنه نصّ في محتواه على إجراءات تعديله، وهي من الإيجابيات، بحيث هناك مادة تشير إلى تعديله، وعليه فكان منذ وضعه مرشحا للتعديل، ورغم ذلك بقينا 13 سنة بدون دستور. ويستمد دستور 76 إيديولوجيته السياسية من الميثاق الوطني، من خلال مادة تقول إنه عند البحث عن تعديل الدستور يمكن الرجوع إلى الميثاق الوطني، علما أنه الدستور الوحيد الذي أعطى حرية خاصة للمرأة، وضمن جميع حقوقها وجسد كامل حرياتها.. .، أمّا المؤسسات والسلطات، فلم يكن يعترف بها، على اعتبار السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية هي مجرد وظائف، كما حدد الدستور العهدة بست سنوات مفتوحة، والجديد أنه أحدث منصب نائب رئيس الجمهورية ومنصب الوزير الأول، إلا أنه غيب المجلس الدستوري. ولم يكن مضمون هذا الدستور ثريا، بحيث كانت منظومة الحقوق والحريات جد محتشمة ولم ترق إلى تطلعات المواطن نظرا للظرف السياسي، والذي يأخذ محتواه من النظام الاشتراكي التي كان من الثوابت التي لا يمكن الرجوع أو المساس بها. دستور 1989 جاء في ظرف معين، ميزته أحداث 5 أكتوبر 1988 التي عجلت بتطوير منظومة الحقوق والحريات، ولأول مرة نص دستور جزائري على التفتح السياسي وسمح للجمعيات ذات الطابع السياسي بالنشاط، وذلك من خلال المادة 40، مما سمح بظهور أكثر من 60 حزبا، ولأول مرة فصل بين السلطات وحددها، وجاء بمنصب رئيس الحكومة والعهدة الرئاسية حددت ب5 سنوات قابلة للتجديد، والجديد فيه هو عودة المجلس الدستوري التي يغلب عليه هذه المرة الطابع البرلماني أكثر من القضائي. ويعد دستور 1996 من أحسن الدساتير باعتباره أسس للازدواجية على مستوى القضاء، فإلى جانب القضاء العادي، استحدث القضاء الإداري وفيه على رأسه مجلس الدولة، بالإضافة إلى ازدواجية في السلطة التشريعية، لأنه استحدث مجلس الأمة وجعله غير قابل للحل وجعله صمام أمام الدولة، كما رقى من منظومة الحقوق والحريات وأدخل القوانين العضوية المتعلقة بتنظيم المؤسسات والحريات والحقوق.
عشر تغييرات دستورية.. في 50 سنة وضعت الجزائر منذ استقلالها سنة 1962، 4 دساتير تمت عن طريق الاستفتاء وعدلت 5 مرات، وذلك بالنسبة لدستور 1976 الذي عدل 3 مرات، وذلك خلال 1979 ثم 1980 وبعدها في 1988، أما دستور 1996 فقد عدل مرتين، وذلك خلال 2002 و2008 ومرت التعديلات أربع مرات عبر البرلمان، فيما استفتي في تعديل واحد وقد تضمنت دساتير الجزائر أخطاء لغوية ونحوية يتم حاليا تداركها، علما أن صياغة الدساتير مربوطة بتقنيات خاصة، على اعتبار أن صياغة الدستور ليس كصياغة القانون، فالدستور أولا لا يجب أن يتضمن أحكاما متناقضة، كما يجب أن تكون الجملة الدستورية مختصرة وواضحة، بحيث يجب أن تتضمن الجملة 20 كلمة حتى تكون مقبولة و25 كلمة على الأكثر، لكنها تكون سلبية إذا تجاوزت ال30 كلمة، وهو حال دستورنا خاصة في المادة 88 التي جاءت في صفحتين كاملتين وهذا كثير، بالإضافة إلى المادة 42 التي لا يفهم من صياغتها شيء.
أخطاء لغوية، تناقضات ومواد ميتة ويحبُذ استعمال المضارع في صياغة الدستور، ولا يجب استعمال المستقبل، بالإضافة إلى عدم استعمال الضمير المفرد، أي هو أو هي، حتىّ لا يتم تأويله لطرف دون الآخر، بالإضافة إلى عدم استعمال الكلمات القديمة وغير المفهومة أو التصنّع في إيجاد التعابير والألفاظ التي لم تعد متداولة في عصرنا الحالي، ويبقى الفرد والمواطن الجزائري هو المعني بالخطاب وليس الجماعة. تناقض الأحكام في دستورنا بدا واضحا في إحدى الفقرات التي تقول إن المجلس الشعبي الوطني يبقى يشرع حتى يأتي مجلس الأمة، في حين أن مجلس الأمة موجود فعلا، وفي الفقرة 118، تقول: يجدد نصف أعضاء مجلس الأمة عن طريق القرعة التي هي في الواقع تمت في 2001، والكثير من هذه الأحكام موجودة في الدستور وهي أحكام انتقالية أصبحت فاقدة الوجود وتجاوزها الزمن، على غرار المادة 176 التي تنص على أنّ المجلس الوطني الانتقالي يعمل حتى انتخاب المجلس الجديد، في حين أن المجلس الوطني الانتقالي انتخب في 97 في العهدة الرابعة، وبالتالي يجب أن تسقط هذه المادة. تناقض الأحكام يتجلى أيضا في المادة 45 التي تتحدث عن البراءة، بحيث تقرن هذه المادة البراءة بالأشخاص، في حين يجب أن تقرن بالمتهمين فقط، وعليه تقرأ هذه المادة على أنها تعتبر كل المواطنين متهمين. مادة أخرى تتناقض مع غيرها، وهي 165 التي تسمح للمعاهدات الدولية بالدخول في التشريع الوطني، وفي حال عدم ملاءمتها تبطل بقرار، أمّا المادة 168 فهي تشير إلى أن المعاهدات لا يجب أن تخضع للرقابة وبالتالي فهي مقبولة. الفقرة الثانية من المادة 175 غير موضوعية ولا منطقية، إذ تقول إنه إذا عرض مشروع قانون تعديل الدستور على الشعب ورفضه، فيعتبر لاغ، أمّا الفقرة الثانية تقول ".. ولا يمكن عرض هذا المشروع من جديد خلال الفترة التشريعية.." وهذا غير منطقي، لأن الفترة التشريعية ليس لها دخل، لأن من عرض عليه القانون هو الشعب.