عنونت الأستاذة في علم النفس بجامعة قسنطينة، عبلة رواق، مداخلتها ضمن اليوم الدراسي حول العنف ضد الأطفال ب”حوصلة الدراسات المتعلقة بالعمل الجواري تجاه الأطفال في خطر معنوي والأطفال المحرومين من العائلة”، وقد تحدثت إليها “المساء” عن نتائج العمل الجواري والتوصيات التي تراها كمختصة تصب في صالح الأطفال المعنفين والجانحين عموما. من المفترض أن تكون المراكز المكلفة بحماية الأطفال ضحايا العنف والأطفال الجانحين كفيلة حقيقة بتقديم الحماية المطلوبة، غير أن الواقع يشير إلى أن نفس المراكز قد تكون مصدرا للخطر على الأطفال، تبدأ المختصة النفسانية عبلة رواق حديثها إلينا مرجعة السبب إلى عدم تطبيق النصوص التنظيمية، وعدم احترام القوانين بمراكز حماية الأطفال، ومن تلك المراكز، نجد مراكز إعادة التربية، مراكز متعددة الخدمات لصالح الطفولة، إلى جانب المؤسسات العقابية وغيرها. وتؤكد المختصة نقص المراكز المتخصصة، إذ لا تتواجد على مستوى كل المدن، وإن وجدت، فهي أحيانا بعيدة عن المناطق التي يقطن فيها الطفل الجانح الذي ينحدر من منطقة نائية مثلا، وعليه، لا يمكن الحديث عن إمكانية الدمج العائلي، لأن الطفل لا يمكنه رؤية أفراد عائلته كثيرا بحكم البعد، وهذه الحالة تسجل خاصة وسط الفتيات الجانحات اللواتي كثيرا ما يتم التخلي عنهن، فيجدن أنفسهن في المركز، وبعدها في الشارع! نقطة أخرى تعيق عمل حماية الأطفال من العنف داخل هذه المراكز، حسب المتحدثة، تتلخص في أن هذه الأخيرة تجمع بين أطفال معنفين وجانحين (أي في صراع مع العدالة)، مما يعني أن الأطفال ضحايا العنف قد يتم مواجهتهم في المركز بأطفال آخرين جانحين، والسبب يظهر دائما في نقص عدد المراكز المخصصة لحماية الأطفال القصر الأقل من 18 سنة، فيتم وضعهم مباشرة في مؤسسات عقابية مع أطفال يكبرونهم سنا، والطفل القاصر هنا إذا كان ضحية تعنيف، يجد نفسه وجها لوجه مع أطفال جانحين وآخرين منتكسين عاودوا ارتكاب جرائم، كما قد يجد الطفل المعنف نفسه في نفس المركز مع الطفل الذي اعتدى عليه، وهذا الدمج يضعه في خطر، أولا لأنه قد يكون ضحية عنف من قبل غيره من الأطفال ممن معه في المركز، أو حتى ضحية ضغط معنوي بسبب هذا الخلط بالمركز، ولأنه أيضا سيجنح بدوره، مثلا، لحماية نفسه من خطر الوقوع ضحية اعتداء جنسي من طرف أطفال يكبرونه سنا. وترى المتحدثة أن الحل الأقرب للواقع هنا، يتمثل في تطبيق القانون الموجود وتحديد أماكن تواجد الطفل المعنف أو الطفل المرتكب للعنف في المركز المتخصص، مع تفادي الخلط الذي يخلق بدوره نوعا آخر من العنف. وثاني توصية نقدمها، هي التفكير في حلول أخرى لمرافقة الطفل ضحية العنف عوض وضعه في وسط مغلق لا يعطي نتائج، خاصة أن دراستنا تشير إلى نسبة كبيرة للعود الإجرامي، أي أن معظم الأطفال الجانحين يعودون مجددا لارتكاب الجنح والجرائم، بحيث يخرج الطفل المعنف أو الجانح من المركز ولا يجد جهة للاندماج، فيصاب بانتكاس، وهنا نشير إلى أن المركز نفسه لم يعطه حلولا للاندماج، تعد من مهامه الأولى، ومنها متابعة الطفل للتمدرس، وعليه، يمكنه الالتحاق بمدرسته بعد خروجه من المركز، لكن الواقع يشير إلى أن المؤسسات التربوية ترفضهم، والسؤال المطروح هنا والذي لم يُتوصّل بعد إلى إجابة واقعية عنه: أين يذهب الطفل بعد خروجه من المركز؟ ونحن نجيب فرضا؛ إنه بعد المركز يعود إلى المركز! لأنه يجد نفسه في الشارع، خاصة وأن أكبر نسبة من هؤلاء الأطفال يعانون مشاكل مع عائلاتهم، أو لأنهم متكفل بهم عن طريق الكفالة أو أنهم يعيشون مع الأسر المستقبلة في ظروف صعبة وغير مريحة، إذن لا عائلات لديهم يعودون إليها، ولا تكوينا مهنيا يمكّنهم من العمل وضمان مدخول مادي، ويبقى أمامهم الشارع وأمر سقوطهم ضحايا العنف والاعتداءات الجسدية والجنسية وارد جدا في هذه الأحوال، كما يُحتمل أن يصبحوا مصدرا للاعتداء والجريمة، بالتالي، إذا تم القبض عليهم مجددا، يعاد وضعهم في مركز من المراكز التي ذكرناها والحلقة تبقى مفرغة، وهكذا...