رأيت نفسي في بطحاء تشبه ساحة معركة، غبارها يتطاير ويتصاعد وينتشر كانشطار قنبلة نووية... جيشوا الجيوش وهيأوا المدافع ونصبوا منصات الصواريخ ووجهوها نحو العدو، نزعوا عنهم لباس التخاذل، ورموا بالعمامات تحت أقدامهم ليصنعوا حدثا وتاريخا جديدين، برمجوا ألف مناورة تدريبية والتمرن على سلاح جديد لم يجرب بعد ليرهبوا عدوهم ويخيفوه، عقدوا ألف اجتماع تنسيقي، وأقنعوا بعضهم وغيرهم بأن القوة في التوزع والتشرذم، لأن ذلك مدعاة للتنوع والقوة، وتشتيت انتباه وقوى العدو، لكنهم وفي كل اجتماع يختلفون في تحديد العدو، ولما طال اختلافهم واشتد حول هذه المسألة، رأوا بأن يجعلوا كل واحد منهم عدوا للآخر، وبذلك يضعون حدا للجدال والخلاف الذي طال دهورا، فتأسس نتيجة ذلك نظام جديد أنشأته عبقريتهم الفذة، استحدثوا من خلاله دويلات، إمارات ومملكات جديدة، منظمات وتنظيمات كل واحدة منها تدين بالولاء لجهة تنشد الاستقواء بها لحمايتها من بعض هذه الفطريات الجديدة، وبات كل تنظيم ونظام يتربص بالآخر «ليتغدى به قبل أن يتعشى به»، وظهر العدو «المفترض» جليا وتحاشوا خشية على أنفسهم التصريح بالعدو الحقيقي الذي أقسموا بأغلظ الأيمان أنهم لا يعرفونه.. كنت مذهولا وأنا تحت وطأة الأحلام أرقب من بعيد تدريبات العساكر في تلك البطحاء التي اختلطت فيها الأسلحة الحديثة بالخيالة، والسيافة وغيرها من الأنواع التي ورد ذكرها في كتب التاريخ التي ضاعت كلها ولم يبق منها إلا كتاب واحد، احتفظت به ثلة من الناس، ولشدة خوفهم عليه حفظوا ما فيه في صدورهم ودفنوه. سبحان الله مبدل الأحوال، وعجبا لأحلام لا يقف أمامها صعب ولا يدوم عندها حال. إذ تملكني خوف شديد مفاجئ كاد يقضي على كل خلية فيّ، تحولت تلك الجيوش المجيشة المدججة بجميع أنواع الأسلحة التي ذكرت حديثها وقديمها، تحولت كلها إلى دجاج، فتعالى نقيق الدجاج واختلط، ليضع - حسب ما ظننته في الأحلام - بيضه، وامتزج نقيق الدجاج بغبار البطحاء، واستحالت البطحاء ومن فيها خما كبيرا. واختفى المشهد الأول، ولم يبق إلا الدجاج في ساحة المعركة بصدور عارية.