احتضنت نهاية الأسبوع الماضي دار الإمام بالمحمدية، يوما دراسيا حول «الأبعاد الدينية في آثار مفدي زكرياء»، الذي نظّمته وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ومؤسسة مفدي زكرياء؛ تخليداً لشاعر الثورة وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الواحدة والخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية. وقد تم خلال هذا اليوم تقديم محاضرات وقصائد شعرية ألقاها فحول شعراء الجزائر، وهم الأستاذ الشاعر سليمان جوادي، الشاعر عيسى لحيلح والشاعر صالح سويعد والشاعرة عاشقة وهران أم سهام. فبعد كلمتي رئيس مؤسسة «مفدي زكرياء» الأستاذ شريف خير الدين وممثل وزير الشؤون الدينية والأوقاف الأستاذ بوزيد بومدين، أجمع الأساتذة الذين نشَّطوا اليوم الدراسي حول «الأبعاد الدينية في آثار مفدي زكرياء»، على أن هذا الشاعر الفذَّ كان متشبعا بثقافته العربية الإسلامية إلى حد الارتواء من القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة والتاريخ الإسلامي. وقد تميزت الجلسة العلمية الصباحية التي تَرأّسها الدكتور محمد لحسن زغيدي في بدايتها، بإلقاء باقة شعرية من شاعرين فذَّين، هما الشاعر سليمان جوادي والشاعر عيسى لحيلح. الشاعر سليمان جوادي الذي انسجم مباشرة في موضوع اليوم الدراسي واختار من باقته الشعرية قصيدة دينية سبق وأن غنّاها يوسفي توفيق ولحّنها الموسيقار الجزائري نوبلي فاضل شفاه الله «إليك أفوّض يا ربّ أمري»، والتي جاء في مستهلها: «أجل يا إلهي خلقت حسابا... وسيرت نارا تكون عقابا»، ليغلقها بقوله «فطوبا لمن خاف منك وتابا». وتجاوب الحضور كثيرا مع الشاعر جوادي وهو يقول: «بأي شعر أناجيه ويسمعني؟ وهل يريد كماضي إصغاء؟ مليون تجربة في الحب أكتمها وما استطعت لهذا الحبّ إخفاء». وواصل جودي قصيدة عشقه الملتهبة التي أثقلته بحملها ليقول: «إيه جزائري هل أفضي بما أجد وأترك الشعر في عينيك يتّقد». ثم انتقل بنا سليمان جوادي إلى قصيدة أخرى يمجّدّ فيها الشعب الجزائري، وهي عبارة عن أنشودة قائلا: «يا شعبنا ما أروعك! يا شعبنا قلبي معك جلا الذي بعزيمة كبرى براك وأبدعك». أما الشاعر عيسى لحيلح فقد تغنّى بشهر نوفمبر؛ شهر البطولة والكبرياء؛ حيث ألقى قصيدته الرائعة التي تحمل عنوان «نشيد الكبرياء»، والتي جاء في بعض أبياتها: «يكفيك في سمع الزمان نوفمبر فافخر فغيرك بالهزيمة يفخر شهر أضاء إلينا سبيل الهدى من قبل أن نضل ونكفر شهر وتسبيح الرصاص صلاته له فوق أعناق المدافع منبر». وقد حاضر في الفترة الصباحية كل من الأساتذة بشير بويجرى، عمارية بلال، محمد عيسى، موسى، محمد مفلاح وآل حكيم عمر، حيث تطرق في بداية الجلسة العلمية الدكتور بويجرى بشير لتناصية الهول والإيقاع في قصيدة مفدي زكرياء، «إلى الذين تَمرّدوا مع سورة الزلزلة»، مؤكدا أنّ مفدي زكرياء له رؤية دقيقة جدا، ولها مرجعيتها العربية والأمازيغية بكل عمقها وأبعادها؛ حيث استطاع أن يضمن شعره بالمصطلحات القرآنية مخاطبا جنرالات فرنسا: «ما لِلعصابة في الجزائر مالَها؟ ما للجبابرة ساجدين حيالها؟! ما بالها بعد الدلال تنكّرت لبلادها؟! ومن ذا الذي أوحى لها؟!». إلى أن يقول: «إذا كنت ترجف للذين تمرّدوا فإنّ الجزائر ترجف الدنيا لها». ويخاطب في هذه القصيدة الجنرال ديغول بعد تمرّد ضباط فرنسيين سامين عليه ورفضهم استقلال الجزائر وفصلها عن فرنسا، حيث رأى المحاضر أن إيقاع القصيدة إيقاعٌ ناريٌّ يزعزع النفس، والذي نجده أيضا في قصيدته «الذبيح الصاعد». أما الأستاذ محمد مفلاح فقد تناول في مداخلته البعد التاريخي والديني في «إلياذة الجزائر». كما تناولت السيدة أم سهام في مداخلتها «تعاليم الإسلام في شعر مفدي زكرياء»، بينما تناول الدكتور محمد عيسى وموسى في دراسته «مقاصد العقيدة والإيمان في إلياذة الجزائر». ومن جانبه، تناول الأستاذ آل حكيم عمر جانب تكوين مفدي زكرياء من خلال بصمات المدرسة الإباضية في شعره وتشكيله الديني وفي بعده الوطني والتاريخي العربي الإسلامي. وللتذكير، فالجلسة المسائية هي الأخرى تميزت بإلقاء عدة محاضرات تناولت الرؤية الإسلامية في «إلياذة الجزائر»، وملامح السيرة النبوية في شعر مفدي زكرياء والقيم الروحية، لتُختتم الجلسة بموقع تلمسان في شعر ونفس مفدي زكرياء، ليعود بعدها الشعر مرة أخرى إلى المنصّة مع كل من الشعراء صالح سويعد وعيسى لحيلح وسليمان جوادي، حيث استهل الأمسية صالح سويعد بقصيدته «اعتراف»، والتي جاء في مستهلها: «ماذا في جعبتي؟ أنسيت بأني أحب الناس إليك؟». أمّا الشاعر عيسى لحيلح فقرأ قصيدته الأخيرة، والتي نشرها مؤخرا: «أنا المهدي المنتظَر»، ثم تلاه الشاعر سليمان جوادي، الذي قرأ باقة من أطيب أشعاره، لتنتهي الأمسية الشعرية بقراءة للشاعرة أم سهام لقصيدتها «امنحيني شمسك يا وهران».