خلقته تضحكني لا لكونه قصيرا نحيلا أو أن به عيبا جسميا، لا عيب فيه على الإطلاق، غير أنه يضحكني، إذ كلما رأيته أبتسم في وجهه وأضحك في قلبي، وأدمنت عليه وصرت إذا طال غيابه عني أبحث عنه أو أهتف له، وكان صوته أيضا يدخل البهجة على نفسي فأضحك، وإذا رأيته في المنام، أستيقظ ضاحكا، كما قيل لي. ما انفك طيفي كذلك حتى كتب الله لي رؤيته في الأحلام، وليتني ما رأيته حتى لا تتفكك صورته وتتحول من مستبشرة ضاحكة مضحكة إلى صورة باهتة، كالحة عابسة، فقد رأيته فيما يرى النائم ملفوفا في برنوس أسود لا يبدو منه إلا رأس ذو فصين وعينان جاحظتان ثابتتان، محاط بهالة من الطقوس الزفافية الجنائزية، أو هكذا صورتها لي أحلامي. فبدا أصغر حجما مما هو عليه في الواقع المحسوس، وتصاغر حجمه إلى درجة القزومية، حينما اصطفت أربع زوجات ملأن الحيز كله أمامه وفرغ المكان من الهواء وضاق المتنفس، وخشيت عليه الضياع في هذه الصاخات الأربع، وخشي إن هو نطق أو اعترض عاقبة قد ترمي به في مكان سحيق.. خالد رجل في حجم طفل ذي عشر سنوات لا يحتمل مشاق زوجة واحدة، ولا يقوى على حمل رضيع، فكيف له أن يحمل أربعة جبال على عاقته، وهو الذي تناغيه زوجته خديجة وتداعبه كطفل وتحمله أحيانا لتعبر به الطريق، رثيت لحاله وهو الذي كان يملأ حياني غبطة وسرورا كلما رأيته، وهاهو خالد خفيف الروح والوزن يكاد يتلاشى كالدخان ليزف بعد قليل إلى زوجات أربع، بالإضافة إلى أم أولاده خديجة، ولا أحد يعلم كيف يكون حاله بعد هذه الزفة، وما زاده دهشا وخوفا، علمه أن الجمع بين خمس حرام، بالإضافة إلى عجزه عن رعايتهن وتوفير قوتهن وحاجاتهن، تعالت الزغاريد من أفواه كالمغارات الموحشة، صمت أذنيه وعطلت عقله وقلصت حجمه إلى أبسط كتلة، هزه الضرب على البنادير، وأصوات كنفخ الصور، ورأى نفسه جسيما تعبث به القيامة وتبتلعه المخلوقات الأربع كعصفور لم يكسه الزغب بعد، مادا عنقه إلى أعلى وجناحيه، فمددت بدوري يدي لنجدته وتخليصه مما بدا وحلا .. شددت على يديه وأخذت في سحبه، ففصلت يداه عن جسمه، وبقي جسما مقززا يبعث على الاشمئزاز، واستحالت الكتلة البشرية التي كانت تضحكني إلى شيء مقرف. ولما رويت الحلم على أحد الأقزام، قال لي: هذه أضغاث أحلام فلا تكترث بذلك.