نشّط الأستاذان مراد وزناجي ورشيد حمليل سهرة أول أمس بالمجلس الأعلى للغة العربية، محاضرتين تطرقا فيها لواقع اللغة العربية في الأعمال والقنوات التلفزيونية الجزائرية، حيث توقفا عند بعض التراجع الذي تعرفه العربية في بعض هذه الوسائل، كما اقترحا بعض الحلول للنهوض بلغتنا الجميلة. مداخلة مراد وزناجي كانت بعنوان “مستويات اللغة العربية في الأعمال التلفزيونية الجزائرية”، أكد فيها تسابقا محموما بين الناس عبر عدد من البرامج والحصص والأركان التلفزيونية الجزائرية، في نقل ما يُصطلح على تسميته ب “لغة الشارع” للمشاهد، غير مبالين أحيانا بحسها الجمالي ولا بقواعد “اللغة الأم” وتراثها الذي يغني عن كل دخيل متطفّل من القول. على المستوى الدرامي، أكد المحاضر أن أزمة الإنتاج الدرامي ليست في كتّاب السيناريو، بل الواقع يشير إلى أن الأزمة تكمن في لغة السيناريو، الذي تميزه، في الغالب، لغة لا ترقى إلى ما هو منتظَر ومتوقَّع، زد على ذلك ما يُسمع من أفواه بعض الصحفيين ومقدّمي البرامج من حيث النطق ومخارج الحروف والأسلوب، وبالتالي على هؤلاء كما قال الأستاذ وزناجي استيعاب لغة الضاد. كما استعرض المحاضر واقع تعليم العربية في منظومتنا التربوية، مؤكدا على ضرورة تشجيع القراءة والمطالعة، وهي السبيل إلى التمكن من العربية. من جهة أخرى، عبّر المحاضر عن دهشته من تحوّل الضحك إلى هزل، والسكاتش إلى عبث والاستهانة باللغة المستعمَلة في الأعمال الفنية وحتى في الومضات الإشهارية، وتحويل العربية إلى لغة هجينة لا يُفهم منها إلا القليل، وأن تكريس بعض المحطات التلفزيونية لهذا النوع من اللغة حسبه باسم الوصول إلى المشاهد، أمر لا يُقبل، ذلك أن خطورة تفاقم مثل هذه الظواهر سيكون له مفعول عكسي على نفسية وثقافة شعب بأكمله. ويرى المحاضر أن تحسين أداء اللغة العربية يعني، بالضرورة، إنتاجا مفهوما، ويعني وصول الرسالة الإعلامية والإعلانية إلى المشاهد؛ أي أن تحسين أداء العربية في البرامج له هدف مادي أيضا؛ إذ يضمن تسويق هذا الإنتاج للخارج. بالمناسبة، أكد المحاضر وجود أعمال تلفزيونية لاتزال بخير من حيث اللغة، ولا بد من تعزيز ذلك أكثر. وفي الأخير قدّم جملة من الاقتراحات، منها، مثلا، العمل على إيجاد لغة وسطى (لغة ثالثة) أو ما يُعرف بالدارجة المهذّبة، التي تجمع كل اللهجات الوطنية دون طغيان واحدة على الأخرى، وكذا اعتماد مدقّقين لغويين على غرار ما تفعله الصحافة المكتوبة، واستشارة متخصصين كعلماء اللسانيات وعلوم الإعلام والاتصال والإعلام الآلي وغيرهم. وأشار المحاضر إلى أنه من أجل تدارك كل الهفوات والنقائص الحالية، فإن الأمل معقود على قانون السمعي البصري المنتظر صدوره قريبا، والذي ستسد مواده عددا من الثغرات. محاضرة الأستاذ رشيد حمليل خصت “واقع اللغة العربية في القنوات التلفزيونية الجزائرية، تقويم لا تقييم”، واعتبر فيها المحاضر لغة الضاد في خطر، وتعيش وضعا أقل ما يقال عنه إنه “إهانة لها!”. أشار المحاضر إلى أن الإعلامي الجزائري يعتقد أنه كلما استعمل العامية كلما تمكن من إيصال رسالته دون أن يدرك عدد المتلقين الذين يمكنهم استهجان مثل هذه اللغة، التي تجعل آذانهم تتقزز من سماعها، فالفصحى من خصائصها أنها تشكل وحدة وهوية الأمة، وهذا ما يغيب عن الإعلامي عندما يتناسى أن اللغة السليمة عندما تفقد خصائصها فإنها تفقد أيضا بعض وظائفها، كما أن الجهل بالفصحى هو الذي فتح الطريق للعامية، كما لا يمكن حسب المحاضر تجاهل الضربات التي كانت تتلقاها العربية من تحت الحزام قصد الدفع بالمواطن إلى النظر إليها؛ على أساس أنها لغة خشب لا تساير العصر والتطور، لتصبح العربية مجرد تهمة، وهكذا نجح البعض في تمييع العربية في التلفزيونات، وأصبحت مجرد لغة ممسوخة وكلمات لقيطة! يرى المحاضر أن الصحفي ليس المسؤول الوحيد عن هذا التراجع، بل هناك المؤسسة الإعلامية نفسها، التي من واجبها الابتعاد، قدر الإمكان، عن الإسفاف وعدم تقديم البرامج بلغة مشوّهة، يقول الأستاذ حمليل: “ترويج القنوات للعامية يدفعنا إلى التساؤل إن كان ذلك من باب الرغبة في تبسيط اللغة، أم الكسل اللغوي، أم الجهل بقواعد اللغة، أم رفع الكلفة؟! فنفس الأخطاء تتكرر يوميا، ما يوحي بأن لا مجهود يُبذل!”. يرى المحاضر أن إصلاح واقع العربية له من الأهمية التي لا ينبغي تجاهلها، فباللغة فقط يُرفع شأن الثقافة، وباللغة نحافظ على وحدة هويتنا، فنحن عادة ما نحدد أهدافنا في هذا المجال دون الاهتمام بالوسيلة؛ لذلك كانت هذه الأهداف بعيدة المنال. بعد انتهاء المحاضرتين فُتح باب النقاش، الذي نشّطه الدكتور عاشور فني، الذي أدلى بدلوه في هذا الموضوع، مشيرا إلى تأثير المجتمع (الشارع) في وسائل الإعلام اليوم، عكس الماضي؛ إذ كانت وسائل الإعلام هي من توجه المجتمع! كما شارك في النقاش الإعلامي والبرلماني السابق محمد بوعزارة، الذي دعا إلى تعزيز التكوين في وسائل الإعلام، خاصة بالإذاعة والتلفزيون، مشيرا إلى أن الجزائر كانت سبّاقة في هذا المجال في الستينيات والسبعينيات، وكانت تجلب أكبر المؤطرين في العالم، كما ألحّ المتدخل على مراعاة الشخص في وسائل الإعلام عوض فوضى البث. للتذكير، فإن الأستاذ مراد وزناجي إعلامي وكاتب، درس بقسم الماجستير بمعهد الإعلام والاتصال، وحاصل على شهادة الماستر تخصص إذاعة وتلفزيون، وهو إطار بالمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية والثورة، له العديد من المؤلفات ك “ظواهر جزائرية” و«حديث صريح مع سعد الله” وغيرهما. أما الأستاذ حمليل فعمل صحفيا متخصصا بمديرية الاتصال والإعلام والتوجيه بوزارة الدفاع، وأستاذ جامعي، ونشر العديد من الإسهامات.