يُنتظر أن تعرض الاستراتيجية الصناعية التي صادقت عليها الحكومة مؤخرا، خلال انعقاد الثلاثية بين الأخيرة وأرباب العمل وممثلي العمال الجزائريين في النصف الأول من شهر سبتمبر القادم. ولم يشأ وزير الصناعة السيد شريف رحماني الكشف عن مضمون هذه الاستراتيجية، لكنه بالمقابل أفصح عن أهم ملامحها بمناسبة انعقاد منتديات اقتصادية احتضنتها الجزائر. وستكون الاستراتيجية ضمن أهم الملفات التي ستتم مناقشتها في هذا اللقاء التشاوري، الذي سيُعقد تحت مسمى "ندوة اجتماعية تتمحور حول الجانب الاقتصادي"، حسبما أعلن عنه الوزير الأول مؤخرا؛ لهذا فإن مسائل إنعاش الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال والاستراتيجية الصناعية الجديدة والتشغيل، ستكون في لب اهتمامات الحوار الاجتماعي الذي شدّد عليه الوزير الأول في أكثر من مناسبة، داعيا كل الطاقم الحكومي والمسؤولين إلى فتح أبوابه والتشاور مع الشريك الاجتماعي، فالأولوية اليوم بالنسبة للجزائر في زيادة حجم الاستثمارات الوطنية والأجنبية للخروج من دائرة الريع، وكذا توفير مناصب شغل للشباب، وتحسين الإنتاجية وزيادة الصادرات خارج قطاع المحروقات. وكان وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار السيد شريف رحماني، يشدد في كل لقاء يجمعه بمتعاملين اقتصاديين أجانب، على أن تنظيم مثل هذه اللقاءات يأتي في سياق رؤية جزائرية تنظر إلى أن التعاون والتبادل لم يعد مسألة محصورة على الحكومات، وإنما مسألة تخص كذلك الأقاليم والمؤسسات التي تُعد "قلب هذا التعاون". كما إن الرؤية الصناعية للجزائر تقوم على الاندماج في الاطار المتوسطي بأهداف محددة، أهمها خلق الثروة ومناصب العمل ورفع نسبة النمو، وهي كذلك تبحث عن تحقيق البعد الدولي عبر الاستفادة من خبرات المؤسسات وتحويل التكنولوجيات. فالمطلوب هو وضع مقاربة تشاركية بين الجزائر وشركائها، تقوم على "التوازن والذكاء والخبرة"، وهي "الفلسفة" التي تحدّث عنها وزير الصناعة مرارا، موضحا أن الهدف من كل هذا هو "بناء فضاء ينعم بالحرية والسلام والديمقراطية والاستقرار في منطقة المتوسط". فالجزائر تبحث عن جلب استثمارات ومعها تحويل المعارف والخبرات في إنتاج السلع والخدمات،بما يسمح بتحسين المنتج الجزائري، وبالتالي تقديم منتجات ذات نوعية أفضل للمواطن،فيما يبحث الجانب الأجنبي عن أسواق في ظل الأزمة التي عصفت بالاقتصاد العالمي والأوروبي بالخصوص،وأكثر من ذلك يبحث عن أفضل الصيغ التي تسمح له بالحفاظ على مستوى المعيشة الجيد لمواطنيه، ولهذا فإن الطرفين معا يشدّدان على العمل في إطار اللقاءات الثنائية بين رؤساء المؤسسات لتحديد مشاريع ملموسة يمكن تجسيدها في أرض الواقع بدون أية عراقيل. ولأن الأمر كذلك فإن الاستراتيجية الصناعية تقوم على أساس السماح للمؤسسات الجزائرية بإقامة شراكات مع نظيراتها الأجنبية على أساس قاعدة 51 /49 حول الاستثمارات الأجنبية بالجزائر، والتي لم تمنع من إبرام العديد من اتفاقات الشراكة في قطاعات صناعية مختلفة. من جانب آخر، فإن الاستراتيجية الصناعية الجديدة تقوم على مبدأ تطوير الفروع الصناعية، وهو ما تم الشروع فيه خلال السنة الجارية؛ من خلال وضع مخططات ثلاثية – أي تمتد على ثلاث سنوات -للعديد من القطاعات كالإسمنت والصناعات الإلكترونية والإلكترومنزلية والحديد والصلب والآلات الصناعية والصناعات الميكانيكية. وتقوم هذه المخططات على عصرنة المصانع الموجودة، سواء التابعة للقطاع العام أو الخاص وتطويرها،وإنجاز مصانع جديدة في مناطق مختلفة من الوطن؛ تحقيقا للتوازن الجهوي، والهدف هو تحسين الإنتاج ورفع حجمه، مما يسمح بتخفيض حجم الواردات وكذا مكافحة المضاربة في بعض القطاعات. وتسمح هذه المخططات بخلق مناصب عمل وضمان التكوين المناسب للعمال، دون إغفال تشجيعها للمناولة بما توفره من فرص للمؤسسات المصغرة. كما إن الاستراتيجية تتضمن إعادة تأهيل المناطق الصناعية وتحويلها إلى "حظائر صناعية" تستجيب للمقاييس العالمية. وتعتمد الرؤية الجديدة للمناطق الصناعية على إنشاء فضاءات ذات معايير دولية، تتضمن كل الخدمات الأساسية، لتصبح محركات حقيقية للاقتصاد الوطني، وكذا بناء هياكل دائمة وتطبيق سياسات تسيير جديدة تعتمد على اللامركزية، يتم من خلالها إشراك كل الفاعلين في إطار صيغة محددة، مع الاستعانة بالخبرات الوطنية والدولية. كما يتم توفير الخدمات الأساسية لاسيما شبكة الطرقات والتكنولوجيات الحديثة، وإدماج البحث والتكوين بها، وتوفير الخدمات المالية ومراكز الأعمال ومختلف الإدارات التي لديها علاقة بالاستثمار، ومختلف التجهيزات وحتى الهيئات الاجتماعية، كالصحة والحماية المدنية وحتى روضات الأطفال والفنادق. وفضلا عن ذلك فإن الابتكار يُعد من أهم أساسيات هذه الاستراتيجية، إذ تعوّل على تطوير هذا المجال من خلال تشجيع الحصول على براءات الاختراع،وتطوير العلاقة بين الجامعة ومراكز البحث من جهة، والمؤسسات من جهة أخرى. وشدّد الوزير الأول السيد عبد المالك سلال مؤخرا خلال زيارة قادته إلى ولاية جيجل، على أهمية الثلاثية المزمع عقدها خلال شهر سبتمبر المقبل؛ لكونها ستساهم في "تدعيم الاقتصاد الوطني واسترجاع القاعدة الصناعية". وقال خلال لقاء مع المجتمع المدني، إن "المشكل الحقيقي للجزائر هو بناء اقتصاد متنوع خارج المحروقات، والذي يُعتبر الشغل الشاغل للحكومة"،مؤكدا أن الثلاثية المقبلة ستولي أهمية خاصة للجانب الاقتصادي. كما ألح على ضرورة "استرجاع القاعدة الاقتصادية" بغرض تقليص واردات الجزائر، مشيرا إلى أن الاقتصاد العالمي يقوم اليوم على القدرة على التصدير. وكان قد أشار سابقا إلى أن "الحل الوحيد" لبعث الاستثمار بالجزائر، يكمن "في إنشاء وحدات إنتاجية لتمكين البلاد من استرجاع قاعدتها الصناعية"، مضيفا أن ذلك يبقى الهدف الذي تسعى إليه حكومته، والذي ستحققه قريبا".