شيعت لبنان، أمس، العشرات من قتلى التفجيرين العنيفين اللذين استهدفا مدينة طرابلس كبرى مدن الشمال في ظل حداد وطني صاحبته حالة من الغضب والمخاوف الداخلية من نشوب حرب طائفية في البلاد التي سبق وذاقت مرارة الحرب الأهلية خلال ثمانينات القرن الماضي. وجاء استهداف مسجدين في تفجيري طرابلس، أول أمس، واللذين أوقعا 45 قتيلا وأكثر من 500 جريح بمثابة عامل جديد يضاف إلى سلسلة الهجمات المتصاعدة التي تعصف بلبنان منذ الأشهر الماضية بالتزامن مع احتدام القتال في الجارة سوريا وتصاعد موجة العنف بالعراق أيضا. واستنكرت السلطات اللبنانية وكل المكونات السياسية اللبنانية أعمال العنف المتصاعدة في بلادهم إلى درجة أنها أبدت مخاوف من احتمال نشوب حرب طائفية بين السنة والشيعة خاصة في ظل استمرار الأزمة في سوريا التي لازالت ترمي بظلالها على الراهن اللبناني. ووصف الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، التفجيرين ب«المجزرة التي تندرج في إطار مسلسل تفجيري فتنوي يستهدف الوطن ككل". كما استنكر "لجوء المجرمين والإرهابيين إلى قتل المدنيين لأهداف وغايات إجرامية لا تمت إلى القيم والأهداف الإنسانية بصلة ولا تصب إلا في خانة إحداث الفتن والاضطرابات". من جانبه، حذر وزير الدفاع اللبناني، فايز غصن، من أن التفجيرين "يهدفان إلى إشعال الفتنة بين كل اللبنانيين"، ونبه اللبنانيين إلى أن "هناك مسلسلا من الإرهاب بواسطة سيارات مفخخة تنطلق من أمكنة معينة وتضرب أي مكان". في الوقت الذي أكد وزير الداخلية، مروان شربل، أن القيادات السياسية اللبنانية على اختلاف طوائفها تبذل محاولات لامتصاص غضب الشارع ووأد الفتنة التي تستهدف الوطن وليس منطقة دون سواها. ودعا إلى "تدارك الأمور قبل انتشار الفوضى التي قد تترتب عنها مظاهر خطرة تنتهي بتقسيم لبنان". على الصعيد الدولي، أعربت الولاياتالمتحدة عن إدانتها القوية للتفجيرين ودعت ماري هارف، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، جميع الأطراف إلى الالتزام بالهدوء وضبط النفس. ونفس موقف الإدانة عبرت عنه فرنسا التي قالت في بيان أمس أنها "تدين أي محاولة لتقويض الاستقرار في لبنان وتؤكد على أهمية أن تحترم كافة الأطراف الفاعلة في البلاد الاختلاف السياسي تحت قيادة الرئيس سليمان وتحافظ على الوحدة الوطنية". أما العراق فقد اعتبر، على لسان رئيس الوزراء نوري المالكي، التفجيرين "خطوة أخرى في مخطط جر لبنان والمنطقة إلى الحرب الطائفية". وقال المالكي في بيان مقتضب "ندين بشدة ما تعرضت له مدينة طرابلس من هجمات إرهابية راح ضحيتها العديد من الأبرياء". وبينما أدانت تركيا بشدة الهجوم اتهمت إيران من وصفتهم ب«المتطرفين والجماعات التكفيرية التي هي متورطة في المؤامرات الصهيونية لزرع الفتنة بين الشعب اللبناني ولتوجيه ضربة للوحدة الوطنية". وشجب مجلس الأمن الدولي بأشد العبارات التفجيرات الإرهابية في مدينة طرابلس اللبنانية واعتبر أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل "واحدا من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين وأن أية أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية لا يمكن تبريرها بغض النظر عن دوافعها وأينما ارتكبت وأيا كان مرتكبوها". وكانت الأممالمتحدة قد ناشدت جميع الأطراف في لبنان الحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة محاولات تقويض استقرار بلادهم ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون جميع اللبنانيين إلى "ضبط النفس والبقاء متحدين ودعم مؤسسات الدولة". ونفس الموقف ذهبت إليه جامعة الدول العربية التي دعت إلى "تغليب لغة العقل والأخوة لإفشال مخططات الفتنة التي تحاول التفريق بين أبناء الوطن الواحد".