وقع انفجاران مروعان اليوم الجمعة استهدفا مسجدين في مدينة طرابلس ذات الغالبية السنية في شمال لبنان واوقعا 42 قتيلا و500 جريح، في اكثر التفجيرات دموية منذ انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990). وجاء ذلك بعد اسبوع من انفجار مماثل في الضاحية الجنوبيةلبيروت، معقل حزب الله الشيعي، ما دفع قياديين ومحللين الى التحذير من محاولات لاثارة فتنة سنية شيعية في البلد ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة المنقسم بحدة حول النزاع في سوريا المجاورة. وافاد مصدر امني في الشمال قبل قليل عن ارتفاع حصيلة قتلى التفجيرين الى 42. واشار الصليب الاحمر الى اصابة 500 شخص بجروح. وقال المصدر الامني ان العشرات من المصابين بجروح طفيفة غادروا المستشفيات. وياتي ذلك بعد اسبوع من تفجير سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبيةلبيروت، معقل حزب الله الشيعي، اسفر عن مقتل 27 شخصا. وكشف قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي الاربعاء ان الجيش "يلاحق منذ أشهر خلية ارهابية تعمل على تفخيخ سيارات وإرسالها الى مناطق سكنية"، مشيرا الى ان الخلية "لا تعد لاستهداف منطقة معينة او طائفة معينة، بل تحضر لبث الفتنة المذهبية عبر استهداف مناطق متنوعة الاتجاهات الطائفية والسياسية". وقبل موجة التفجيرات الاخيرة، استهدفت بين عامي 2005 و2008 تفجيرات عدة شخصيات سياسية واعلامية وامنية ومناطق سكنية، كان اكثرها دموية الانفجار الذي اودى بحياة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري و22 شخصا آخرين في شباط/فبراير 2005 في وسط بيروت. واوضح مسؤول امني ان انفجاري طرابلس ناتجان عن سيارتين مفخختين. ووقع الانفجار الاول بعيد الواحدة والنصف بعد الظهر (10,30 ت غ) قرب مسجد التقوى في وسط طرابلس خلال صلاة الجمعة. وبعد دقائق، دوى انفجار ثان قرب مسجد السلام في منطقة الميناء على بعد اكثر من كيلومترين من الموقع الاول. وبثت محطات التلفزة لقطات التقطتها كاميرات مثبتة داخل المسجدين يظهر فيها مصلون وهم يستمعون الى الخطبة قبل ان يدوي انفجار ويتصاعد دخان وغبار كثيف. ويشاهد المصلون وهم يهرعون، معظمهم من دون استعادة احذيتهم، نحو باب المسجد للخروج. وشاهد مراسل وكالة فرانس برس قرب مسجد التقوى الذي يقع في منطقة شعبية في طريق رئيسي وسط مدينة طرابلس دمارا كبيرا وركاما وزجاجا متناثرا في قطر واسع. وذكر انه تم سحب جثث من داخل المسجد بينها خمس متفحمة لاطفال. وتضررت حوالى سبعين سيارة وعدد ضخم من الدراجات النارية المتوقفة امام المسجد، واندلعت النيران في سيارات وابنية وشقق. وقتل اشخاص داخل سياراتهم، بينما قطع آخرون الى اشلاء. وقال المراسل ان مئات المدنيين تجمعوا في المكان فور وقوع الانفجار وعدد منهم بسلاحه. وبدوا في حالة غضب شديدة، وهتفوا "الموت لحزب الله" و"الموت للنظام السوري". وفي وقت لاحق، انتشر مسلحون لا تعرف انتماءاتهم في بعض شوارع طرابلس، وراحوا يوقفون السيارات ويفتشونها ويدققون في الهويات. ويقع منزل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قرب مسجد التقوى، الا ان مكتبه الاعلامي سارع الى الايضاح بان ميقاتي خارج البلاد. ووقع الانفجار الثاني في حي راق في منطقة الميناء على بعد حوالى كيلومترين من موقع الانفجار الاول. وافاد مصور في وكالة فرانس برس عن دمار كبير في الابنية والمحال التجارية. وطوقت القوى الامنية وفرق الادلة الجنائية المكان وبدأت التحقيقات. وبين المنازل المتضررة بشكل كبير منزل مدير عام قوى الامن الداخلي سابقا اللواء اشرف ريفي الذي لم يصب باذى. وقال ريفي في تصريح لتلفزيون المؤسسة اللبنانية للارسال تعليقا على التفجيرين "ما اراه هو الفتنة"، مضيفا "اهلنا في الضاحية دفعوا الثمن، واليوم اهلنا في طرابلس. والآتي اعظم". وذكر انه، قبل انتهاء مهمته على راس قوى الامن الداخلي قبل سبعة اشهر، حذر من "امتداد الحريق من سوريا الى لبنان"، مجددا الدعوة الى "اغلاق الحدود حتى لا يمتد اللهيب الى الداخل اللبناني". ودعا سياسيون من خصوم حزب الله الحزب الى الانسحاب من الحرب السورية، معتبرين ان ما يشهده لبنان هو نتيجة تورط حزب الله في القتال الى جانب قوات النظام داخل سوريا. ودان حزب الله التفجيرين، معتبرا ان "يد الارهاب الاجرامي تأبى الا ان تشغل اللبنانيين بإحصاء شهدائهم وجرحاهم (...). فبعد التفجيرات التي استهدفت الآمنين في الضاحية الجنوبية، استهدف تفجيران إجراميان ظهر اليوم المصلّين... في طرابلس". ورأى في التفجيرين "ترجمة للمخطط الإجرامي الهادف إلى زرع بذور الفتنة بين اللبنانيين وجرّهم إلى اقتتال داخلي تحت عناوين طائفية ومذهبية". واعتبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ابرز الزعماء السنة، "ان ايدي الفتنة لا تريد للبنانيين ان يشعروا بلحظة واحدة من الاستقرار"، و"تريد لآلة التفجير والقتل ان تحصد الابرياء في كل مكان من لبنان". وعبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن "استنكاره الشديد للمجزرة التي تندرج في اطار مسلسل تفجيري فتنوي يستهدف الوطن ككل". في المواقف الخارجية، رات وزارة الاعلام السورية ان "الايدي الاثمة التي ارتكبت الجريمة المروعة اليوم في طرابلس هى ذاتها التي ارتكبت جريمة التفجير في الضاحية الجنوبيةلبيروت"، مضيفة ان "هذه الجرائم المدانة تستهدف زرع الفتنة وضرب السلم الاهلي في لبنان وجره الى الفوضى والخراب". ودانت الولاياتالمتحدة التفجيرين. وكتبت مستشارة الامن القومي الاميركي سوزان رايس على تويتر ان واشنطن "تدين بشدة" الهجمات. كما دانت سفارة الولاياتالمتحدة في لبنان "بشدة الانفجارين"، داعية "جميع الأفرقاء للهدوء وضبط والنفس". ونددت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون بالتفجيرين. وعبرت عن املها في اجراء "تحقيق سريع" ودعت "كل الاطراف الى ضبط النفس". وشهدت طرابلس منذ اندلاع النزاع السوري جولات معارك عدة بين مؤيدين للنظام السوري ومتحمسين للمعارضة السورية. وتاتي هذه التفجيرات في ظل ازمة سياسية في لبنان على خلفية النزاع السوري تنعكس فراغا حكوميا، اذ لم يتمكن المسؤولون من التوصل الى توافق على تركيبة حكومية منذ استقالة حكومة ميقاتي منذ خمسة اشهر. كما تأتي بعد ساعات من غارة اسرائيلية استهدفت موقعا للجبهة الشعبية-القيادة العامة الموالية لسوريا في الناعمة جنوببيروت. واعلنت اسرائيل ان الغارة رد على اطلاق اربعة صواريخ امس من جنوب لبنان على اسرائيل لم تؤد الى وقوع اصابات. واصدر رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي مذكرة إدارية "قضت باعلان الحداد العام طوال يوم غد السبت على ارواح الشهداء الذين سقطوا اليوم الجمعة".