قدمت المجاهدة زهرة ظريف بيطاط، أول أمس، بالمتحف العمومي الوطني للفنون والتقاليد الشعبية، كتابها “مذكرات مكافحة في جيش التحرير الوطني”، بحضور جمهور غفير من المجاهدين والشباب ومن أبناء حي القصبة العتيق، السيدة ظريف استغلت المناسبة للحديث عن ذكريات الكفاح والرد على المغرضين، خاصة في الضفة الاخرى، الذين يحاولون النيل من هذه الذاكرة، كما أنها حثت الحضور من الشباب على حفظ هذا التاريخ والاعتزاز به باعتباره حصنا لهم من أي تفسخ. استقبلت المجاهدة بنغمات الزرنة وزغاريد حرائر القصبة وبكلمات ترحيبية من المنشط مراد زيروني، لتجلس ظريف بالقرب من بعض المجاهدين من أبناء القصبة الذين هنأوها أكثر من غيرهم على هذا المولود. في تدخله، أشار السيد قرفي من دار “الشهاب” التي طبعت الكتاب أن أجواء الاحتفال بهذه المجاهدة جد مؤثرة خاصة وأنها تقام بقلب القصبة هذه الأخيرة التي كرمتها المجاهدة في كتابها بشكل لم يسبقها إليه أحد يقول “تعودنا على شهادات أغلبها عبارة عن أفعال وقعت إلا أن شهادات السيدة بيطاط هو سفر عبر القصبة وسرد ليوميات أهلها البسطاء، حيث نكاد نرى بأمهات أعيننا ما جرى ونشم بأنوفنا روائح الطبخ الزكية وغيرها من التفاصيل لذلك بدت المذكرات تماما كأي فيلم مصور”. الكتاب، حسب هذا الناشر، ذو حس أنثوي يسرد الأحداث بصيغة الأنا الجماعية باعتبار التلاحم وأيضا التواضع كما أنه تكريم لشخصيات ثورية قديرة منها بن مهيدي وعلي لابوانت ودبيح الشريف وغيرهم العشرات، علما أن الكاتبة أخرجت هؤلاء من إطار الأسطورة لتوضح أنهم كانو أناسا عاديين دفعتهم ويلات الاستعمار إلى الثورة فقد كانوا على قدر كبير من الإنسانية وكانوا أيضا بشرا عاديين يخافون أحيانا ويختبئون، لكن الأكيد عند هؤلاء أن هدفهم كان واحدا وهو استقلال الجزائر. بدورها، حيت السيدة بيطاط الحضور بحميمية باعتبارها واحدة من أبناء هذا الحي الذي شهد سنوات كفاحها، كما توجهت بالتحية للسيدة خليدة تومي، وزيرة الثقافة، التي حضرت المناسبة باعتبارها سببا مباشرا لكتابة المذكرات فهي من شجعتها وقامت بنفسها بنسخ الكتاب قبل ذهابه إلى المطبعة. تحدثت المجاهدة عن القصبة أثناء الثورة التي قدمت قوافل الشهداء وأضافت قائلة “ناس القصبة فتحوا ديارهم للخطر فداء للجزائر، لذلك كان من واجبي رد الاعتبار لتاريخ القصبة وللجزائر عموما ومن أجل الشباب الصاعد حاولت أن أكون أقرب ما يمكن من الواقع وكان هدفي أن أقدم الدليل على أن حرية الجزائر كلفت شعبها ثمنا باهظا”. قالت أيضا “لقد ركزت على معركة الجزائر رغم أنني لا أحب هذا المصطلح الاستعماري الذي يتطلب منا التدقيق العلمي إذ أن المعركة لا تشن إلا بين جيشين أو دولتين متكافئتين وليس بين جيش دولة كبرى وشعب أعزل”. استعرضت بيطاط الدور المهم للمرأة في هذه الفترة التي واجهت الجيش الفرنسي بكل تشكيلاته من مظليين وقبعات حمر وغيرها الذين حطوا بالآلاف على القصبة واستهدفوا العائلات وانتقموا من أسر المناضلين. المرأة كانت الفدائية والمرشدة وحاملة السلاح والمتكفلة بإخفاء المناضلين وإطعامهم لتسرد بيطاط بعض النماذج مثل حسيبة والجميلات وأوخيتي فتيحة الشهيدة التي تحملت الأهوال وهكذا وجدت المرأة نفسها في قلب المعركة، علما أن المرأة قررت بمحض إرادتها الدخول للثورة ولم يفرض عليها أحد العمل فهي –حسبها- تدربت على الوطنية ولم تنتظر الأوامر لتصبح مناضلة أو فدائية. أكدت السيدة بيطاط أنها انتظرت 53 سنة لتكتب مذكراتها وسبب هذا التأخير هو أنها رفقة أبناء جيلها من المناضلين لم يفكروا بعد 1962 إلا في بناء الجزائر المستقلة خاصة وأن التدمير والفقر والجوع والمرض والجهل كانت في كل مكان كما أن الثورة انتهت بعدد مهول من الشهداء وبالتالي الأرامل واليتامى ولم يكن الظرف ملائما للالتفات إلى الوراء بل التفكير فقط في المستقبل خاصة من الشباب مثلها المثقفين والمكونين والذين لم يتجاوز عددهم غداة الاستقلال ال 500 طالب في 11 مليون نسمة. تقول إن آلام الذكريات وبشاعتها جعلت الكثيرين يتفادون الحديث عنها، لكن بعد أخذ الوقت الكافي واستيعاب ما جرى في هدوء تمت العودة وتسجيل هذه الذكريات والرد على الحاقدين في الضفة الأخرى من أمثال “ليفي” ممن يزعجهم استقلال الجزائر. تدخلت بعدها السيد خليدة تومي، مؤكدة أنها كانت تستمع دوما لبيطاط وهي تحكي تفاصيل الكفاح وكلما طالبتها بالكتابة تتردد وتقول أن ذلك سيكون في الوقت المناسب إلى أن مرضت رفيقة كفاحها المناضلة سامية لخضاري فزارتها إلى أن توفيت في شهر جوان 2012 فتأثرت بيطاط وراحت تسجل مسيرتها بعد أن أدركت أن جيل الثورة بدأ يرحل ويرحل معه تاريخنا. السيدة الوزيرة التي نسخت الكتاب أعلنت أن المخرج رشيد بوشارب مهتم بالكتاب لتحويله إلى عمل سينمائي وقد اتصل بالمجاهدة الكاتبة للحصول على حقوق الكتاب وذلك في زيارته الأخيرة للجزائر. بعدها شرعت السيدة في بيع كتابها بالإهداء وسط ازدحام كبير علما أن الكتاب عرف إقبالا كبيرا رغم ثمنه المحدد ب1450دج فيما تواصل بعدها الحفل على النغمات الشعبية التي أداها الفنان ابن القصبة ناصر مقداد، كما التقت الكاتبة ببعض رفقاء السلاح من أبناء القصبة كان منهم المجاهد عرباجي محمود الذي قضى معها أيضا 6 سنوات في السجن وذكرها بالشهيدة زهية حميطوش وبرجال عظماء مثل بلمهيدي وبيطاط وسعدي وغيرهم كثير.