وصفت بعثة صندوق النقد الدولي للجزائر أداء الاقتصاد الوطني في 2013 ب"المرضي"، نتيجة التراجع الهام في نسبة التضخم التي انتقلت من 8.9 بالمائة في 2012 الى 4.5 بالمائة السنة الجارية "بفضل ضبط أوضاع المالية العامة واتباع سياسة نقدية رشيدة"، كما أشار إليه رئيس البعثة، السيد زين ولد زيدان. وتبقى الوضعية المالية الخارجية للجزائر "صلبة" بالرغم من تسجيل بعض "مؤشرات الضعف" التي تظهر خصوصا في تسجيل نقص في فائض الحساب الجاري الذي بلغ 1.1 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي الخام، وانخفاض صادرات المحروقات، وتراجع النمو من 3.3 بالمائة سنة 2012 إلى 2.7 بالمائة في 2013. وحسب رئيس البعثة التي أجرت سلسلة من المشاورات في الفترة الممتدة بين 12 و25 نوفمبر الجاري مع عدد من المسؤولين الجزائريين فإن الوضع المالي الخارجي للجزائر -الذي وصفه ب«المريح"- لايشكل أي انشغال بالنسبة للافامي. والسبب هو صلابته بالنظر إلى قدرة احتياطات الجزائر على تغطية أي عجز مسجل في الميزانية. فيما يتوجه انشغال الافامي نحو كيفية رفع نسبة النمو وتوفير مناصب العمل لاسيما في القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار.
ضرورة إعادة تعزيز صادرات المحروقات وشدد المتحدث على ضرورة تعزيز الوضع المالي الخارجي للجزائر والانتباه إلى مسألة تراجع الصادرات من المحروقات وارتفاع الطلب الداخلي على الطاقة. وقال إن بعثة الافامي طلبت من السلطات الجزائرية إعادة صادرات المحروقات إلى سابق عهدها وتعزيز الاستثمار في هذا القطاع وتنويع مصادر الطاقة وكذا التحكم في الطلب الداخلي الذي شهد انفجارا -حسب المتحدث-. كما أوصت البعثة بتنويع الاقتصاد خارج المحروقات والعمل على تقليص التبعية لهذا القطاع، وتشجيع الانفاق الموجه للاستثمار "المنتج والفعال" مقابل التحكم في نفقات الحساب الجاري والتحويلات الاجتماعية، مسجلا أن الأول هو الضامن لتعزيز النمو.
تطورات هامة مقارنة بالعام الماضي وأوضح المتحدث في ندوة صحفية عقدها وأعضاء البعثة، أمس، بالعاصمة، أنه على المدى القصير لن تسجل أي مشاكل في الوضع بالنظر إلى قدرة الاحتياطات الجزائرية الهامة على تغطية العجز في الميزانية. فالبعثة سجلت "تطورات هامة" هذه السنة مقارنة بالعام الماضي ورحبت بالضبط المالي الذي تم في 2013 والذي يتوقع أن يؤدي إلى ميزانية متوازنة هذا العام بعد العجز الذي سجلته في 2012". وقال السيد ولد زيدان إن السلطات الجزائرية بذلت مجهودات معتبرة وأخذت بعين الاعتبار أغلب توصيات البعثة في العام الماضي. وللعام الجاري أوصت بمزيد من الضبط المالي "على أن يستهدف ذلك تعزيز الإيرادات خارج قطاع المحروقات واحتواء النفقات الجارية والحفاظ على الاستثمار العام الذي يمثل عاملا حاسما في النمو". وحذرت من الاستمرار في نفس وتيرة الانفاق لاسيما بالنسبة للحساب الجاري، مشيرة إلى انعكاسات سلبية أهمها العودة إلى الاستدانة. إذ صرح رئيس البعثة: "على المدى البعيد فإن توقعاتنا تشير إلى إمكانية عودة الجزائر إلى الاستدانة في حال استمرار هذا الوضع... ونتوقع أن تشكل الديون في آفاق 2050 أكثر من 100 بالمائة من الناتج الداخلي الخام".
المطالبة بتسقيف عجز الميزانية ومن ضمن التوصيات التي أصدرتها بعثة الافامي "تسقيف العجز في الميزانية المسموح به عند إعداد الأخيرة". وبخصوص وضع القطاع المالي قال السيد ولد زيدان أنه "يتسم بالسيولة وتوافر جيد من رأس المال، لكنه يفتقر إلى التطور الكافي". مشيرا إلى أن الائتمان المقدم للاقتصاد شهدا بالفعل نموا سريعا، إلا أنه غير كاف بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. في السياق، أكد أن بعثة الصندوق جددت دعوتها للحكومة الجزائرية برفع الحظر عن القروض الاستهلاكية الموجهة للأسر التي تشكل جزءا صغيرا من الحجم الاجمالي للقروض الموجهة للاقتصاد. وقال إن الوضع الراهن يدعو إلى ضرورة تشجيع الاستهلاك الداخلي وأنه لاتوجد أي مخاوف من زعزعة الاستقرار المالي بعودة هذه القروض. واعتبر أن الحكومة يمكنها وضع آليات لضبط هذه العملية ومراقبتها بدل اللجوء إلى المنع، مشيرا إلى ضرورة إنشاء مركزية للمخاطر.
الدينار أعلى من مستواه الحقيقي وبخصوص قرار بنك الجزائر بخفض قيمة الدينار، أكد ولد زيدان دعم صندوق النقد الدولي للإجراء، معتبرا أن تحديد نسبة صرف الدينار يخضع لعوامل اقتصادية ومالية وليس لاعتبارات تخص القدرة الشرائية للمواطن، ولم يتردد في القول بأن "قيمة الدينار الحالية أعلى بكثير من قيمته الحقيقية". وعن التحويلات الاجتماعية، جدد التأكيد على أن مبدأ الافامي هو توجيه الدعم إلى الأسر والأفراد المحتاجين وليس نحو المنتجات، مشيرا إلى أنه لم يتم طرح هذه المسألة مع الجانب الجزائري إلا أنه تم التركيز عموما على ضرورة ضبط والتحكم في النفقات. من جهة أخرى، أشار إلى التحقيق الأخير الذي أجراه الديوان الوطني للاحصائيات حول نفقات الأسر الجزائرية، إذ أكد أنه يشير إلى بذل مجهودات كبيرة في العشرية الأخيرة تجسدت في "تقلص كبير" في الهوة بين الفئات الأكثر ثراء والفئات الأكثر عوزا.