ما يزال الفن الجزائري بألوانه يشكل الوطن وينحت التاريخ لأنه معمور بالأيمان وينبجس بالحب للوطن، والجزائر عند مبدعيها هي الغاية والهدف وهي الموضوع الذي يؤطر كل الأشياء فيها، وهكذا كانت الوجوه الجزائرية لا يمكن أن تتضح ملامحها إلا في صورة الجزائر، ومن هذه الوجوه التي كتبت الجزائر الفنان مصطفى التومي. في 14 جويلية 1937 تشاء الصدف أن يكون ميلاد هذا الفنان، ليحول مجرى الاحتفال بهذا التاريخ من العيد الوطني الفرنسي إلى عيد ميلاد فنان متعلق بوطن اسمه الجزائر، وكان هذا الميلاد بالعاصمة الجزائرية التي يبالغ فيها المحتلون باليوم الوطني الفرنسي في احتفالهم، ويحولون شوارعها إلى أقواس للنصر واستعراضات القوة والتاريخ الفرنسي، في الوقت الذي يجعلون فيه تراثنا الحضاري مجرد فلكلور وثقافة تنتمي إلى الشعوب التي قهروها بالحديد والنار، وهكذا كانت كواكب الفرسان الجزائرية في طليعة المحتفلين بهذا العيد، إلا أن ميلاد مصطفى التومي في هذا اليوم أحال الوجهة إلى أشياء أخرى، وكأني به يقرأ في العيونالجزائرية التعاسة والمأساة ويشكل منها جمل الأمل المستخبئ وراء ركامات المستقبل، فشب موالعا بالشعر منذ أن بلغت فيه الكلمة عمر النضج، ففي سنة 1950 قام بدور في »الخالدون« الى جانب مصطفى كاتب ومحي الدين باش تارزي، وكان هذا الدور بالنسبة لمصطفى انطلاقة حقيقية لبناء شخصيته أمام قامات فنية جزائرية لها ظلالها العملاقة على الخشبة، ولها أيضا صداها الجماهيري الذي يميزها مع تلك الشخصيات التي كانت تبرز في المجتمع الأوربي المتلون بالجزائر. ولم يقتنع مصطفى التومي بتجسيد الأدوار المسرحية، بل كان له طموح آخر لكتابة مشاريع مسرحية، فكتب أول مسرحية له سنة 1953 تحت عنوان »قراقبوش« وقد تم عرضها عدة مرات في مناسبات خيرية. وما أن اندلعت الثورة المسلحة المباركة والتي بواسطتها كان يتم الفرز بين الجزائري وغير الجزائري، حتى انخرط مصطفى التومي في صفوف جبهة التحرير الوطني ومارس النضال سنة 1958 في الحصة الإذاعية »صوت الجزائر الحرة المكافحة« ثم التحق بالفرقة الفنية في تونس ونظم قصيدة وطنية تحت عنوان »قلبي يا بلادي« لحنها مصطفى سحنون وأداها المطرب الهادي رجب، ثم بطلب من الأستاذ عيسى مسعودي كتب نشيدين هما »هيا عليك نغني« و»دعاء المهاجر«، كما عمل مصطفى تومي منشطا بالإذاعة والتلفزة الفرنسية قبل التحاقه بالفرقة الفنية بتونس وأنتج حصة منوعات موسيقية شرقية. في سنة 1960 عين مصطفى التومي مسؤولا عن مجلة »إيكلار« التي أنشأها جيش التحرير الوطني بمدينة وجدة المغربية، وإبان الاستقلال تم تعيين مصطفى التومي مديرا مركزيا للعمل الثقافي إلى غاية 1970 ليترأس المهرجان الوطني الأول للأغاني الشعبية. ومن أشهر القصائد التي ألفها، قصيدة »سبحان الله يالطيف أنت اللي تعلم« والتي أداها شيخ الأغنية الشعبية الحاج أمحمد العنقاء. وفي بداية التعددية عام 1989 أنشأ مصطفى التومي حزبا سياسيا وهو »التحالف الوطني للديمقراطيين الأحرار«.