يظل نيلسون مانديلا رمزا للحرية والتحرر مفككا شفرة العنصرية والاستعباد التي استعصت على المعالجة لقرون طويلة وأصبحت ملازمة للثقافة الغربية التي مازالت إلى اليوم تخون منطلقاتها المبنية على الحرية والأخوة والمساواة. مانديلا الذي وعى مأساة السود في أمريكا وهم الذين سيقوا كقطعان الغنم إلى العالم الجديد ليسخروا لخدمة ”أسيادهم” عرف كيف يقلب الموازين ويحقق أحلام الملايين من بني جلدته في الحرية والانعتاق من ربقة العبودية والتمييز العنصري، وأثبت للعالم الذي يزعم أنه حر بأن الحرية فطرة إنسانية لا لون لها، وقاسى من أجل ذلك ما قاسى في سجون الميز العنصري طيلة 27 سنة. لقد تشرب ما نديلا مبادئ الحرية من الثورة التحريرية الجزائرية التي كانت نموذج حركات التحرر في العالم عامة وفي إفريقيا بصفة خاصة، بعد أن بينت للشعوب المضطهدة بأن الاستعمار لايقدر على ”عض الأصابع” وأنه ما يلبث أن ينكمش كالحية بسرعة تفوق بكثير السرعة التي يتمدد بها. وعلى القوى الاستعمارية اليوم التي مازالت تمارس العنصرية بأساليب أخرى منها الكيل بمكيالين من خلال المنظمات الدولية، أو التدخل في شؤون الشعوب تحت عناوين مظهرها إنساني وباطنها استعماري، أن تدرك مع رحيل هذا الرمز أن احترام حرية الإنسان وكرامته وثقافته هو احترام للإنسانية في المقام الأول بعيدا عن الحسابات العرقية والتقدم و«التوحش” التي هي تصنيفات غربية اثبتت الأيام أنه يصعب التخلص منها. فقد رحل مانديلا وبكاه العالم بشرقه وغربه وشماله وجنوبه في ظروف يشهد فيها العالم الثالث وبالتحديد إفريقيا والعالم العربي مؤامرات لا تقل عن تلك التي مارسها في السابق الاستعمار التقليدي الذي تبنى سياسة فرق تسد لإطالة عمر الاستعمار، وها هو الاستعمار الجديد يلعب على وتر التفرقة عبر زرع الفتنة باللعب على أوتار المذهبية والطائفية والعرقية والتي -للأسف- وجدت آذانا صاغية هنا وهناك ومهدت لعودة الاستعمار تحت ذريعة حماية الأقليات أو حقوق الإنسان بالرغم من أن العام والخاص يدرك أن المحرك له هو السيطرة على ثروات الشعوب لا أكثر ولا أقل.