كشف مختصون في علاج الإدمان على المخدرات بمركز الوقاية والعلاج النفسي بالمحمدية بولاية الجزائر، أن الإرادة القوية للشخص المدمن ورغبته في تخطي إدمانه مسألة محورية لتحقيق الفطام، لذا فإن تخطيط جلسات حسب كل حالة بغية انتشالها من خطر الانتكاسة، منهج خاص يعمل عليه المعالجون بالمركز الذي يستقبل أكثر من 2500 مدمن من مختلف الأعمار، أغلبهم شباب أقل من 25 سنة، 9 % منهم لا تتعدى أعمارهم 13سنة ومن الجنسين. أوضح الدكتور نصر الدين بلهندوز المختص في معالجة الإدمان، أن التكفل بالمدمن ليس أمرا سهلا، خاصة أنه قد يمتد إلى عدة أشهر، أقلها ستة، “لكن الأصعب يتمثل في الإبقاء على المُدمن بعيدا عن عالم الانتكاس أو الرجوع إلى الإدمان”، يقول الدكتور في حديث مع “المساء”، مضيفا أن الإرادة تبقى العامل الوحيد الكفيل بإبعاد المدمن عن هذا المستنقع، وهو نفس ما ذهبت إليه السيدة جميلة حمادي المختصة النفسانية العاملة بالمركز حينما أكدت من جهتها أن كل الحالات المتابعة لعلاجها النفسي لديها، تأتي بإرادة شخصية ومدفوعة من طرف الوالدين للتخلي عن الإدمان، والعمل الحقيقي للمختصين يكمن في تقوية هذه الإرادة وجعلها أكثر صلابة لتحقيق الهدف المنشود والتخلص أخيرا من الإدمان. في السياق يقول الدكتور بلهندوز: “تبين من خلال احتكاكنا اليومي بالمدمنين أن الفئة التي تأتي بمحض إرادتها تستجيب بسرعة للعلاج ، حيث تمكنا من مساعدة حوالي 100 شاب من مدمني المخدرات على تركها نهائيا، بل استمَلناهم نحو العمل التوعوي بجعلهم حلقات في سلسلة التحسيس المتواصل حول الإدمان، والقصد أنهم أصبحوا مربين يعملون على نشر التوعية بمخاطر الظاهرة حفاظا على المراهقين والشباب من الولوج إلى هذا العالم”.
10 حالات يوميا.. 3 منها جديدة كما يكشف الدكتور على أن المركز يستقبل يوميا 10 حالات لمدمنين على المخدرات؛ 03 حالات منها جديدة، أي تقصد المركز للمرة الأولى في إطار طلب العلاج، أغلب هؤلاء يتم إحضارهم من قبل أوليائهم ويمثلون الفئة العمرية بين 13 إلى 23 سنة. “لا بد أن ندرك أن هناك المستهلك للمخدرات والمدمن عليها، وعلى هذا الأساس يكون التكفل بالعلاج وتحديد مدته الزمنية التي تختلف من شخص لآخر، بالنسبة للحالة الأولى تكون أخف والعلاج لا يمتد في الزمن كثيرا، وتكون حالة الاستهلاك لم تصل بصاحبها إلى الإدمان الكلي بما يصعب من حالة التكفل، أما في الحالة الثانية فإن التكفل يطول بين الطبي والنفسي”، يقول الدكتور مضيفا: “لابد كذلك من معرفة أن ما يميز المدمن في مجتمعنا هو أنه يتعاطى أصناف مخدرات مختلفة، منها القنب الهندي والهيروين مرورا بالأقراص المهلوسة، وهو ما يجعل عملية الفطام تأخذ وقتا طويلا قد تصل إلى سنة كاملة”. يقتضي التكفل الطبي بالمدمنين مقابلات أسبوعية تركز في البداية على تعريف مستهلك أو مدمن المخدرات بأضرار هذه الآفة الخطيرة، من خلال إعلامه بأنها تؤدي إلى العديد من الأمراض ومنها العجز الجنسي والعقم، إضافة إلى الإصابة بالأنيميا وفقدان المناعة، كما تسبب النرفزة والقلق والأرق المتواصل، مما يجعل المتعاطي يفقد تدريجيا انتماءه إلى محيطه الاجتماعي. كما أن التكفل الطبي يحرص على إيقاظ ضمير المدمن من خلال تحريك الجانب الروحي الديني لديه، كل ذلك يتم عن طريق مختصين يعملون بالتنسيق فيما بينهم لتحقيق نتيجة مرضية. وعن الطرق المتابعة في العلاج، يوضح الدكتور قائلا: “يتم العلاج بواسطة الأعشاب الطبية المساعدة على الاسترخاء بدل المهدئات، وهي تقنية علاج جديدة تم اعتمادها منذ عام 2005، إذ تعتبر هذه الخلطات أو (التيزانة) كما تعرف لدى العامة بديلا طبيعيا يساعد على مواجهة الأعراض الناتجة عن التوقف عن تعاطي المخدرات. وبالاعتماد على ‘التيزانة' يتم ‘تصفية' دم المستهلك طيلة مدة علاج حسب حالة كل شخص، إذ لا تتجاوز 45 يوما بالنسبة للمستهلك الذي لم يصل إلى حد الإدمان، لكن يختلف الأمر بالنسبة للمدمن الذي يتطلب علاجه مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، قد تصل إلى سنة على أقصى تقدير. كما يتم تثقيف المدمن بالتوازي مع ذلك، حيث يتم تعريفه بنوعية المادة المخدرة التي يتعاطاها وتأثيراتها السلبية على وظائف جسمه الحيوية، وعلى الصعيد النفسي والشخصي، بذلك يتمكن من إدراك أي نوع من الضرر ألحقه، وما يزال، بنفسه، أسرته ومجتمعه عامة”. والواقع أن مكافحة هذه الظاهرة لا تتوقف على التربية التي يتلقاها الفرد في البيت العائلي فحسب، بل تظل مرهونة بالدور الذي يجب أن تلعبه المدرسة والمحيط الاجتماعي ككل، لأنها مسؤولية الجميع، تشير المختصة النفسانية السيدة حمادي مضيفة بالقول: “يخطئ من يعتقد أن التكفل بظاهرة الإدمان منوط بمراكز المعالجة النفسية أو بالآباء فحسب، بل الأمر يتعدى هذا الطرف أو ذاك لينتقل إلى المجتمع بكل مؤسساته، صحيح أن الحلقة الأقوى في العلاج تبدأ من المتعاطي نفسه صاحب الإرادة في التخلص من إدمانه، هذه الإرادة يقويها الأولياء ممن يصحبون أبناءهم المتعاطين نحو مركزنا هذا لفطامهم كلية، لكن هذا لا يكفي إن لم تلعب باقي الأطراف أدوارها بطريقة جيدة، والقصد بذلك العمل على حل المشاكل التي تتربص بالشباب كالبطالة، لأننا كمختصين نفرق بين نوعين من الإدمان: الإدمان الجسمي الذي يتم التخلص منه بالتكفل الطبي المتوفر هنا، والإدمان النفسي الذي يكون أخطر من الأول، وهنا مكمن الصعوبة، لأن أدنى خطأ سواء من الآباء أو المحيط قد يسبب الانتكاسة والعود إلى براثن الإدمان”.
تسجيل انتكاسة لدى 10% من المُعالَجين في سياق متصل، يؤكد الدكتور بلهندوز أنه تم خلال السنة المنقضية تسجيل انتكاسة لدى 10 % من المُعالَجين، رغم كل المجهودات المبذولة لمعالجتهم من خطر هذه الآفة وتحقيق إندماج اجتماعي توافقي يجعلهم أعضاء فاعلين في مجتمعهم، “والسبب الأول والأخير يعود إلى التأثر بالمحيط، ونقصد بهم رفقاء السوء ممن يؤثرون على الشاب ويعيدونه إلى الإدمان، فعوض أن يؤثر عليهم هو في إطار ما نسميه بالمُربي، يؤثرون هم عليه لأسباب كثيرة فينتكس، هذه الظاهرة تسجل أكثر لدى المدمنين الشباب والذكور أكثر من الإناث اللواتي يخضعن بعد العلاج لمراقبة الوالدين، تكون أحيانا شديدة، مما يساعدهن على المحافظة على التوازن وعدم العودة للتعاطي”. تجدر الإشارة إلى أن مركز الوقاية والعلاج النفسي الكائن بالمحمدية تأسس سنة 1991، وهو يعمل تحت إشراف منظمة جمعيات رعاية الشباب، يضم طاقمه أطباء مختصين في علاج الإدمان، ومختصين نفسانيين، مربين ومساعدين طبيين يقدمون خدماتهم مجانا للأشخاص الذين يعانون صعوبات. ويستقبل مركز الوقاية حوالي 2500 شخص سنويا، معظمهم من الشباب المدمن على المخدرات، البعض يقصده بمحض إرادته والبعض الآخر عن طريق الأولياء أو أحد الأصدقاء الذين سبق لهم أن عالجوا بالمركز، أو حتى عن طريق خلايا الإصغاء التابعة لمصالح الأمن. ومن المنتظر خلال العام الجاري أن يتم إدماج الفحص المبكر في فحص الإدمان لدى المُراجعين، حسب ما أشار إليه الدكتور بلهندوز، موضحا أن هذا الفحص يخص اختبار بول المتعاطي لمعرفة دقيقة لنوع المخدر المستعمل، “هذا التحليل يسمى ‘الكاشف' ويسمح لنا بمعرفة نوع المخدر في حالة تهرب منا المتعاطي ولم يحدد نوع المخدرات التي يتعاطاها، كما أنه يسمح لنا بتخطيط خطة للعلاج ملائمة لنوعية المخدرات التي يصنفها الكاشف ضمن 10 أصناف مختلفة من هذه السموم”.