عندما يتطرق خطاب رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، إلى نقاط جوهرية تشكل أعلى مراتب هرم السلطة وقمة المسؤولية الوطينة وأعماق مؤسسات الدولة الحساسة، فإن ذلك لم يكن نابعاً من فراغ، أو موجَّها للاستهلاك الإعلامي أو الترويج السياسي، بل إن الظروف المحيطة التي شحنتها مختلف الأطراف على اختلاف مآربها ونزواتها السياسية واستعراضاتها السلطوية مستغلة شتى الوسائل الدعائية، هي التي جعلت القاضي الأول في البلاد يكسر ضوضاء الإعلام والأعلام والأقلام، ويطرح مواضيع في غاية الحساسية ذات صلة بالاستعلام والأمن والرئاسة والجيش، مقدما توضيحات بسيطة ومدققة تحمل رسائل واضحة لكل طرف مهما كانت وظيفته في الدولة والمجتمع. ولعل هذه الرسائل التي تهدف إلى نزع فتيل القنابل المزروعة في حقل الوحدة الوطنية، وإزالة الضبابية التي تحجب الرؤية الحقيقية والبعيدة، والإجابة عن التساؤلات التي تتمخض عن الحراك السياسي والإعلامي في عهد التكنولوجيا المتطورة لوسائل الاتصال، ستكون إجابة ومنطلقا لتحليلات وتساؤلات أخرى، تصب كلها في بوتقة التفتح السياسي الذي تنتهجه بلادنا وحرية التعبير التي تساهم في بلورة الرأي العام الوطني، وهو المناخ الذي لم يتحقق في العديد من الدول التي تتغنى بالديمقراطية والتي تحاول - وسط حراك سياسي مضطرب تتجاذبه القوى المهيمنة- أن تنعم ب«ربيعه" رغم الأعاصير الحزبية والعرقية والفكرية. ولا يوجد أخطر مما حذرت منه رسالة الرئيس الموجهة لكل مواطن، كلٌّ في موقعه، وهي محاولات التغليط ودفع الرأي العام الوطني للانسياق وراء تحليلات تحاول أن تؤوّل مثلا عمليات الهيكلة التي خضعت لها دائرة الاستعلام على أنها ترجمة لأزمة داخل الدولة، حيث اعتبر الرئيس ذلك "قراءة غير موضوعية وماكرة للوقائع"، هدفها زرع البلبلة ونشر أطروحات هدامة، خاصة في هذا الظرف الحساس الذي تستعد فيه الجزائر لخوض سباق رئاسي جديد متجدد. ومن أهم ما ينبّه إليه خطاب الرئيس تلك الظروف الملغمة التي تصنعها سلوكات غير مسؤولة لبعض الأطراف وغياب التحلي بالنضج للبعض الآخر، تحت تأثير مختلف أوجه الحرب الإعلامية الجارية حاليا ضد الجزائر ورئاسة الجمهورية والجيش الوطني الشعبي ودائرة الاستعلام والأمن وهي الأعمدة التي تريد زعزعتها الأطراف الحاقدة التي لا يروقها استقرار الجزائر وبروزها على الساحة الإقليمية والدولية. وقد شدد الرئيس على ضرورة تحلي كل المسؤولين بروح المسؤولية وأن يعودوا إلى ضميرهم الوطني ويتساموا فوق كافة أشكال التوتر التي يمكن أن تطرأ بينهم، ضمانا لمستقبل الدولة ودفاعها وأمنها، مهيبا بكافة المواطنين كي يكونوا على وعي ودراية بالمآرب الحقيقية التي تختفى وراء الآراء والتعليقات التي يعمد إليها باسم حرية التعبير، والتي ترمي إلى غايات كلها مكر وخبث هدفها المساس باستقرار منظومة الدفاع والأمن الوطنيين وإضعافهما. وليس هناك لمواجهة مثل هذه التحديات والمناورات إلا التحلي بالروح الوطنية والسمو عن الشحناء والتناحر يبن الرؤى المتناقضة والفتنة التي تثيرها المناوءات بين المواقف، خاصة حينما تحاول هذه المواقف، التي يستلهم بعضها من المصادر المعادية للجزائر، زرع البلبلة ونشر أطروحات هدامة بادعاء وجود صراعات بين المؤسسات الجمهورية، فإنه يصبح لزاما على كل المواطنين أن يدركوا خطر ضرب الاستقرار الذي تنطوي عليه مثل هذه المساعي، لافتا إلى أن هذه المساعي تندرج في إطار عملية تضليل العقول والاستغلال الخبيث للوقائع، مثلما يلاحظ كل المواطنين عند قراءة الأخبار ومتابعتها. وحمل خطاب الرئيس دعوة المواطنين إلى دعم الاستقرار والسلم وتوجه بالقول إلى كل من يتولون المسؤوليات على المستوى المدني أو العسكري للوعي بالرهانات والعمل كل من موقعه على دعم الاستقرار والسلم، مذكرا بأن الغاية المنشودة من قبل كافة مؤسسات الدولة هي الحفاظ على الوطن لأجياله الحالية والآتية باستكمال بناء دولة المواطنة التامة غير المنقوصة، كما دعا الشعب وفي مقدمته الشباب إلى المزيد من الالتحام والتمسك بثوابت الأمة، والتحلي بمزيد من اليقظة والحيطة والعمل الخلاق لتحقيق تنمية شاملة في ظل دولة الحق والعدل والقانون، محذرا من استغلال المتربصين بالوطن في الخفاء والعلن، لهذا الوضع، لمحاولة فرض أطروحة وجود صراع داخلي في الجيش الوطني الشعبي والزعم بأن دائرة الاستعلام والأمن، تخل في تصرفاتها بالقواعد التي تحكم مهامها وصلاحياتها. ومهما كانت هذه المحاولات اليائسة التي تستهدف المؤسسات الدستورية للبلاد، وتبث نزاعات وهمية مدروسة وموجهة لضرب الاستقرار، فإن الجزائريين الذين عانوا من عنجهية الاستعمار، واكتووا بنار الفتنة، لا يمكن إقناعهم بسهولة بما يوجد في بيتهم من أبيض وأسود وصلب وهش وصالح وفاسد، ولن يتعلموا الدروس من أصحاب المصالح الضيقة والحسابات السياسوية التي تخدم أجندة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والخراب... وما التكالب على الجزائر التي تفتخر بمؤسساتها وسياديتها ودورها الريادي إقليميا ودوليا إلا لأنها عظمة في حلق الحاقدين، ولا يرمي الناس بالحجر إلا على الشجرة المثمرة.