كان اليوم الثالث من الجولة السياحية مميزا أيضا، حيث صعدنا على متن الخطوط الجوية التركية من مطار اسطنبول الدولي باتجاه أنقرة العاصمة السياسية والاقتصادية، وهناك أتيحت لنا فرصة مشاهدة العديد من المعالم التاريخية والأماكن السياحية، وسعدنا بالتعرف على آسيا كزيليجي الحمام الذي يستقبل الأتراك والزوار من مختلف أصقاع العالم للاستمتاع بالعلاج الحموي. مراكز تجارية وطبيعة ساحرة.... في يوم الإثنين صباحا، اتفقنا مع دليلنا السياحي السيد “شريف”على الالتقاء في حدود الساعة العاشرة ببهو الفندق للاتجاه إلى مطار اسطنبول صوب أنقرة، اغتنمت فرصة الفاصل الزمني الصباحي للقيام بزيارة لبعض المحلات القريبة من ميترو اقصراي، أغلب المحلات أحسن أصحابها طريقة عرض ما لديهم من ألبسة نسوية وأخرى رجالية والقليل منها للأطفال، وطغت محلات بيع المنامات القطنية وملابس السهرات النسوية التي تراوحت أسعارها بين 40 و80 يورو، وأغلبها تباع بالجملة. فور دخولك المحل يرحب بك صاحبه، ويعتذر بلطف إذا لم تقصده لشراء الجملة، ألقيت نظرة على المكان وكانت الساعة حينها التاسعة والنصف، الكل يسعى لكسب رزقه بما قسم له، فهذا يرتب السلع وآخر يمسح زجاج الواجهة، وسيارات التاكسي تتنقل كالنحل منتظرة زبائنها، محلات الهاتف والصرافين المعتمدين كلها كانت جاهزة لاستقبال الزوار في يوم جديد. اجتمع الفريق في الحافلة بعدما وضعنا حقائبنا فيها ونحن على أهبة الاستعداد لاكتشاف أنقرة، وصلنا المطار كالعادة، كل شيء سريع هناك، ركبنا الطائرة التي أقلعت على الساعة 12 تماما حسب التذكرة، جلست بجانب النافدة بعدما تنازل لي زميلي محمد عن مكانه لأكحل ناظري بجماليات الإقلاع التي اعشقها، وكذا مشاهدة المدينة التي هممنا بتوديعها وهي اسطنبول والأخرى التي ستستقبلنا في ضوء النهار أنقرة، هناك في الأفق حاولت تأمل التضاريس، سبحان الله – لكل أرض من أراضيه خاصية تطبعها في الجو أو الأرض، لكن أكثر ما أعجبني هي ألوان الحياة في الأرض المحروثة، لتبذر أو تغرس فألوانها المتباينة بين البني الفاتح والأسود ولون الشكولاطة تؤكد أن أهلها من عشاق الأرض يأكلون مما يزرعون. عندما شارفنا أنقرة، لاحظنا اختلاف جغرافيا المكان، نحن الآن بقارة آسيا، بعد ساعة من الطيران هبطنا وخرجنا من المطار، لنجد سائق مضيفنا السيد “مصطفى غونغور” مدير فندق آسيا ترمال في انتظارنا... كان اليوم ربيعيا مبهجا، خشينا في البداية من تهاطل الأمطار، لأنها كانت ستفسد علينا متعة مشاهدة الأماكن بوضوح، في الطريق إلى الهدف كانت عيوننا معلقة بالمباني الهادئة والبيوت البسيطة المتراصة إلى جانب بعضها البعض المزينة بالقرميد، الطبيعة الهادئة الكئيبة هناك بفعل فصل الشتاء كانت تخفي جمالا صامتا، لم نفوت يومها فرصة التسوق في أحد المراكز التجارية الضخمة بقلب المدينة، كما عدنا لأكبر مركز تجاري بأنقرة في اليوم الموالي، أين يمكن أن تجد كل ما يخطر ببالك من ملابس وأكسسوارات بمقاييس وماركات عالمية متوفرة في كل الطوابق.
”آسيا ترمال” مملكة الجمال واللياقة دخلنا منطقة كزيلجي، لنشاهد مملكة ساحرة تمثلت في فندق “آسيا ترمال”، المكان شاسع جدا، كل ما يمكن أن تتخيله ستجده هناك، غرف، شقق عائلية، مركز أعمال وحمامات سباحة متوفرة للكبار والصغار، وأخرى قابعة ضمن أجنحة. مدينة صغيرة تستقبل الزوار من مختلف أنحاء العالم، يجد فيها الأتراك متنفسا فسيحا للراحة والاستجمام، خاصة أنها متمركزة بمنطقة معروفة بحماماتها المعدنية الطبيعية، وبراكينها، تحيط بها الجبال من كل النواحي، ما يجعل العين ترتاح بخضرتها الممتدة على طول البصر، علاوة على جمال حديقة الفندق الممتدة على مسافة طويلة، كل خدمات العلاج والترفيه موجودة، حيث أكد لنا، السيد مولود صافي، مدير التطوير المالي بفندق آسيا أن بإمكان الفندق استقبال 2500 شخص يحتضن 100 غرفة بداخله ومركزي أعمال يحتضنان أزيد من 1000شخص، وتعقد بها مختلف المؤتمرات، ويوجد بالفندق 4 مطاعم أكبرها يقوم بخدمة 1500 شخص دفعة واحدة، أما المطاعم الأخرى فتستقبل 700 شخص، ويوجد بها 30 طبيبا مختصا يجرون فحوصات مجانية للزبائن، بغرض توجيههم نحو مختلف أنواع العلاجات المائية التي يضمنها المكان، بداية من الحمامات التي تحوي حنفية خاصة يستفيد منها نزلاء الفندق. كما يوجد في “آسيا ترمال” أزيد من 100 شقة أخرى موزعة خارج الفندق، يوجد بها كل ما تحتاجه العائلة، إذ يمكن العودة للراحة بها بعد مختلف الخدمات العلاجية الموجودة داخل الفندق، فالجميل أن مياه المسابح الكثيرة الموجودة هناك كلها طبيعية. وتختلف أنواع العلاج، فمنها ماهو بالماء ومنها ما هو بالطين والحجر والجاكوزي حسب البرنامج الذي يتم إعداده سالفا للاستفادة من كل الخدمات الموجودة هناك، بحيث يوجد جناح خاص بالنساء وآخر بالرجال، تسهر على خدمة النساء سيدات مختصات منهن أخصائيات في التجميل، طبيبات وعاملات مختصات في الحمامات يعملن على تجهيز الجاكوزي للتدليك المائي لمدة نصف ساعة، فيما تقوم أخريات بتحضير حمام الطين لتنقية الجسد من الجلد الميت، وإعطاء البشرة نظرة ساحرة، في حين تهتم مختصة التجميل بتنظيف الوجه. كما يتمتع الرجال بنفس الخدمات من قبل مختصين رجال، علاوة على مرافقة طبيب مختص بالمسابح لمساعدة أصحاب العضلات المتشنجة والمصابين بالروماتيزم على القيام بحركات رياضية علاجية لتحرير الجسد وإعادة نشاطه وحيويته، ومن بين الخدمات المتوفرة هناك أيضا أحواض عائلية، حمام تركي تقليدي، غرف الاستراحة، غرفة المساج، غرفة الرياضة، حوض نظامي، أحواض حرارية، ساونا، وحوض الماء البارد وهو آخر ما يتم العلاج به لإعادة النشاط والحيوية للجسم وغلق المسامات. جمال الفندق الساحر وايكواريوم السمك الكبير القابع في وسطه وأدراجه الزجاجية يجعل الشخص يظن أنه يعيش في حلم جميل يأخذه بعيدا لليالي ألف ليلة وليلة، لكنه حقيقة احتضنتنا لنقضي هناك أوقاتا ممتعة، حيث سنحت لنا الفرصة للتعرف على السيدة “فاطمة” وهي مختصة وقائمة على حمام التدليك النسوي، أمضت قرابة 12 سنة في ذلك المجال، حول عملها قالت ل”المساء”: أجد متعة كبيرة في خدمة السيدات اللائي يقصدن المكان للعلاج أو للترويح عن أنفسهن، فالخدمات التي نقدمها يمكن وصفها بالمميزة، فما من شخص زار المكان إلا وتمنى العودة إليه مرة أخرى. ما شد انتباهنا خلال تناولنا فطور الصباح وقبله العشاء في الفندق هو أن كل ما تم طبخه أو تحضيره من خضر وفواكه وأجبان، ومربى كلها تركية الصنع والزرع، إذ يستحيل أن تجد شيئا مستوردا على طاولة الغداء. بالنسبة لي اكتشفت هناك أذواقا عديدة منها مربى الورد، وحلوى الكابويا “التي كان الطباخ سخيا جدا بإعطائنا وصفة تحضيرها” وهي أن يتم وضع حبة الكابويا الدائرية الشكل مباشرة في الفرن إلى أن تطهى، ثم تخرج منه وتوضع في صينية ثم تقطع قطعا متوسطة الحجم، تنزع القشرة بلطف، وتزين بالقليل من صوص السمسم والكراميل القاتمة.. صحة وعافية، فهي تحوي العديد من الفوائد الصحية. في اليوم الثاني من وجودنا بأنقرة استمتعنا في الفترة الصباحية بخدمات علاجية وتجميلية راقية، فسبحان الله القائل “وجعلنا من الماء كل شيء حي”، ثم اتجهنا إلى مطعم رجب اوستا وهو من أشهر وأقدم المطاعم بأنقرة، يعمل منذ 1978، وتقصده كل الشخصيات بالبلد، وحتى من خارجها، زينت حوائطه بصور لشخصيات سياسية، فنية واجتماعية تركية وعالمية، حيث كان في انتظارنا مدير السياحة والثقافة بأنقرة وشخصيات أخرى، في ذلك اليوم مهد السيد عبد الله أميني لاتفاقية عمل بين الخطوط التركية والفندق ومديرية السياحة لحصول الجزائريين المسافرين على متن الخطوط التركية للطيران على تخفيض بنسبة 40 بالمائة. أما في المساء فقد قمنا بزيارة مسجد أو مزار حاجي بيرم وهو من أبرز معالم السياحة الدينية في تركيا، حيث يقبل المسلمون على الصلاة في ذلك المسجد الكبير، وأشارت مرافقتنا المترجمة النشيطة مروة اكن إلى أنها من عشاق ذلك المكان الذي تجد فيه راحة نفسية كبيرة، وقد كتب على الضريح “يفنى المخلوق ويبقى الخالق”، وقد زينت مئذنة المسجد الباسقة بأضواء كثيرة تكسر العتمة، وغير بعيد عنه توزعت محلات لبيع سجاجيد الصلاة والسبحات والمصاحف المكتوبة بالعربية والتركية.
...عدنا إليك يا جزائرنا الحبيبة في اليوم الخامس والأخير من عمر الجولة، غادرنا فندق “آسيا ترمال” الزجاجي الساحر متوجهين إلى مطار أنقرة ومنه إلى اسطنبول، ولأن الفاصل الزمني بين نزولنا وموعد إقلاع الطائرة العائدة إلى الوطن كان نحو قرابة 4 ساعات، عملنا على اكتشاف المطار الدولي، كما لم نفوّت فرصة الجلوس على الكراسي الخاصة بالتدليك الموجودة في كل الأماكن بالمطار الكبير، والتي يكفي أن تضع ليرة لتستمتع ب4 دقائق من التدليك الذي يريحك من عناء السفر، خاصة أن التعب كان قد نال منا عندها، على قدر ما كانت رحلتنا جميلة ورائعة على قدر ما كانت سريعة لدرجة أن وصفها الزملاء بالرحلة الماراطونية، حيث تسنى لنا زيارة العديد من الأماكن السياحية والتاريخية في وقت قصير جدا. كانت الساعة الواحدة بتوقيت تركيا عندما أقلعت طائرة الخطوط الجوية التركية عازمة العودة بنا إلى الجزائر الحبيبة، الطائرة التي حوت العديد من الجزائريين وبعض الأتراك، نزلنا بمطار هواري بومدين الدولي بأمان، حمدنا الله على السلامة، وعند وصولنا أمام شرطة الحدود لختم جوازات السفر، تواجدت قبلي سيدة تركية تتحدث بالفرنسية، كانت تبدو سعيدة جدا بزيارتها للجزائر، رغم كونها ليست المرة الأولى التي تزور فيها الجزائر، لقد كانت برفقة مهندس زميل لها، سألتني قائلة: هل أعجبتك تركيا؟ قلت نعم، أهلها يتميزون بقدر عال من الأخلاق، وأعجبني مطارها كثيرا، فاستوقفتني قائلة: نحن جئنا اليوم هنا لنبني في الجزائر مطارا شبيها بمطار اسطنبول، أدعي لنا أن تكون المناقصة من نصيبنا، قلت آمين.