يتحسر كل من يزور منطقة الحمامات المعدنية ببلدية التلاغمة جنوب ولاية ميلة على الاستغلال البدائي لهذه الحمامات وبقائها بعيدة عن العصرنة وغم وفرة المادة الأساسية للسياحة العمومية بما يؤهلها لمنافسة كبريات المحطات الحموية في العالم. وهو الأمل الذي يراود مستغلي هذه الحمامات الذين تقدموا بمشاريع استثمار متطورة حسبهم لكنهم اصطدموا بمشكل التمويل بسبب الممارسات البيروقراطية مثلما يقولون. وحتى البلدية صارت تفكر بجدية في إنجاز مركب سياحي كبير من أجل الاستغلال الأمثل للمياه المعدنية الحارة المتوفرة بقوة لتحقيق أهداف مختلفة، كتنشيط الحركة السياحية بالبلدية وتوفير المئات من مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة ومضاعفة مداخيل البلدية. نقص الخدمات يبقي الحمامات في درجة البدائية بلدية التلاغمة تتوفر على محطات معدنية هائلة أضحت في السنوات الأخيرة تستقطب اهتمام الزائرين بأعداد متزايدة لا سيما المرضى الذين يتناقلون أحاديث عجيبة عن الفائدة الاستشفائية لهذه المياه من أمراض كثيرة كالروماتيزم والأمراض الجلدية، والكلى وغيرها..... ويرى المواطنون ضرورة تدخل السلطات المحلية والولائية لتنظيم نشاط هذه الحمامات، ودفع حركية الاستثمار بها قصد إنشاء خدمات تليق بسمعة هذه الحمامات وخاصة إنشاء الفنادق لاستقبال المستحمين القادمين من مناطق بعيدة وتوفير أماكن الراحة لكل الوافدين. وفي هذا الشأن أكد أصحاب هذه الحمامات أنهم تقدموا بملفات إلى وزارة السياحة من أجل مساعدتهم على القيام باستثمارات تسمح بإحداث نقلة نوعية في استغلال هذه الحمامات بطرق عصرية يجد فيها السائح كل ظروف الراحة والرفاهية، لتبقى أوضاع الحمامات على حالها على امتداد سنوات طويلة منذ إنشائها. كيف كانت البداية؟ كان اكتشاف هذه الحمامات في منتصف التسعينيات صدفة بعد أن قام أحد المواطنين بمنطقة جبل لمقيتلة غرب بلدية التلاغمة بحفر بئر للسقي الفلاحي، لكنه فوجئ باندفاع مياه ساخنة بدرجة حرارة مرتفعة حد الغليان، مما حفزه على إجراء التحاليل المخبرية اللازمة التي كشفت أن هذه المياه معدنية ومصدرها الجبال المحيطة بالمنطقة فقام بإنشاء أول حمام بسيط عبارة عن أحواض للاستحمام خاصة بالجنسين. فتكاثر الوافدون من المنطقة أولا ثم من المناطق البعيدة بعد أن تعدت شهرة هذا الحمام منطقة التلاغمة لتعم كل منطقة الشرق الجزائري. اكتشاف هذا الحمام حفز كل من يملك قطعة أرض قريبة منه على البحث عن المياه الساخنة، فاستطاع البعض أن يفلح في مسعاه، وتم العثور على خمسة منابع أقيمت عليها خمسة حمامات فتحولت المنطقة بعد سنوات قليلة إلى موقع سياحي يتوافد عليه الناس من كل مكان. وصدقت رؤية عمي عمار! أكد عمي عمار أثناء قيامنا بإنجاز هذا "الروبورتاج" أنه شاهد في منامه قبل ظهور هذه الحمامات أنه يملك حماما بمنطقة لمقيتلة على أرض جرداء قاحلة، فقام بعملية الحفر، وفي مدة قليلة وجد مياها ساخنة فصدقت رؤياه وقام بعملية الحفر وعثر على أول حمام بالمنطقة أطلق عليه اسم حمام سيدي عمار... ومنذ ذلك اليوم أصبح الناس يتوافدون عليه من كل حدب وصوب قصد الاستحمام والتداوي. وفي هذا السياق يقول إن أغلب الذين قصدوا هذا الحمام شفاهم الله من أمراضهم، ولذا فهم يواصلون ترددهم للاستحمام في جميع الفصول وخاصة في فصل الربيع. وقد أبدى عمي عمار أسفه لما حدث له بسبب إقامة هذا الحمام ومعاناته مع إخوته وباقي الورثة، حيث أكد أنه نتيجة صراعات طويلة مع الورثة قرر التخلي عن الحمام الذي يحمل اسمه واشترى قطعة أرض محاذية فأنشأ حماما آخر وهذا لفض النزاعات مع الورثة مادام الحمام قد أغلقته الجهات المعنية بسبب تلك المشاكل والصراعات التي حدثت آنذاك. إقبال للزوار رغم حرارة الطقس والماء بعد الأشغال التي قام بها أصحاب هذه الحمامات بإنشاء غرف فردية وأخرى للعائلات ومسابح، وبعض المطاعم والمقاهي البسيطة، أصبحت كل الحمامات المتواجدة بالمنطقة تشهد يوميا إقبالا منقطع النظير للزائرين والزائرات الذين يؤكدون أن هذه الحمامات مفيدة لعلاج بعض الأمراض، ويتأسف بعضهم للنقص الكبير في مجال الخدمات كانعدام شاليهات أو فنادق كافية لاستقبال الزوار، كما يشتكون من ظاهرة غلاء الحمام فثمن الغرفة الواحدة لمدة ساعة 200 دج وإذا كان مريضا ويتطلب بقاؤه في الغرفة لساعتين أو ثلاث فإن المبلغ يتضاعف وبالتالي فهذه الأسعار يقول زائر آخر مرتفعة ولا تخدم من يزور هذه الحمامات من أجل التداوي خاصة محدودي الدخل والمرضى والمسنين. إعادة تنظيم هذه الحمامات ضرورة ملحة طالب أصحاب هذه الحمامات السلطات العمومية بالإسراع في تسوية وضعياتهم العالقة منذ عدة سنوات. وقال عمي عمار إن بعض أصحاب الحمامات يعملون دون رخصة، في حين أن البعض الآخر يمتلك الاعتماد والوثائق اللازمة كشهادة المطابقة ورخصة البناء، ويسددون مستحقاتهم لمصالح الضرائب وأملاك الدولة بانتظام، ولذا فإن عمي عمار يطالب كغيره المصالح المعنية بالتدخل لتطبيق القانون على الجميع وإجبار أصحاب هذه الحمامات على العناية بها وتنظيمها وتسييرها بطرق تناسب أصحاب الحمامات والمستحمين. وفي هذا السياق أكد عمي عمار رغم أنه يمتلك جميع الوثائق ويقوم بتسديد مستحقاته بانتظام للضرائب والمصالح الأخرى إلا أنه تقدم بطلب إلى وزارة السياحة قصد إنجاز مركب سياحي يحتوي على فندق ومسبح ومطعم، غير أن مساعيه لم تثمر حتى الآن بسبب ثقل الإجراءات البيروقراطية التي حالت دون تحقيق هذا الهدف رغم أنه تقدم بطلبه الى الوزارة المذكورة سنة 2001. انعدام وسائل التدليك أهم ما يفتقر إليه "الدلاكون" بهذه الحمامات غياب وسائل التدليك الحديثة التي تساعد في علاج المرضى، إذ يقتصر هؤلاء "الدلاكون" على العمل بطرق تقليدية لا تناسب بعض المستحمين الذين يترددون على هذه الحمامات. ومن هذا المنطلق فإن معظم الدلاكين المنتشرين بهذه الحمامات يطالبون أصحابها بضرورة توفير وسائل التدليك التي أصبحت في الآونة الأخيرة مطلب أكثر الزائرين خاصة المرضى أن هذه الإمكانيات ستعطي حتما دفعا قويا وشهرة لهذه الحمامات. اهتراء الطريق المؤدي إلى الحمامات المشكل الذي يؤرق الجميع، أصحاب الحمامات وزوار هذه الحمامات، هو اهتراء الطريق المؤدي إليها خاصة في الفترة الليلية، حيث أكد لنا أصحاب الحمامات أن السكان المجاورين لهم يستعملون أكياس كبيرة يملأونها بالرمال ويسدون قنوات الصرف لاستعمال تلك المياه في السقي بالإضافة إلى نقص العدادات الكهربائية إلى جانب الغياب التام للإنارة العمومية. إنجاز مركب سياحي... مشروع ناجح لتنمية السياحة بالمنطقة كان أمل أصحاب الحمامات في الوعود التي تلقوها من رئيس البلدية السابق في إنجاز مركب سياحي من الطراز العالي قصد الاستغلال الأمثل لهذه المياه المعدنية التي تزخر بها البلدية. ويستهدف هذا المشروع حسبهم إنجاز فندق ضخم، ومسبح ومطعم وحظيرة للسيارات، بحيث يصبح هذا المركب قبلة للسواح والرياضيين، يضاف إلى المركب الرياضي الجواري الذي استفادت منه البلدية إلى جانب ملعب الشهيد عبد الحميد خبازة بالعشب الاصطناعي من الجيل الرابع الذي انتهت صلاحيته ولم يعد لائقا لممارسة الرياضة، الأمر الذي سيسهل على الفرق الرياضية إجراء تحضيراتها هنا بدل التنقل إلى أماكن أخرى، وهذا المشروع من شأنه تنمية المنطقة وتوفير موارد جديدة للبلدية ومناصب عمل للشباب البطال. الحمامات المعدنية نعمة من الخالق ومصدر لتنشيط السياحة الداخلية تبقى منطقة الحمامات المعدنية المتواجدة ببلدية التلاغمة من أهم المناطق السياحية الداخلية الحموية والأكثر استقطابا للسياح بولاية ميلة. ومن جهة أخرى يبقى الطريق المؤدي إليها مهترئا وقنوات الصرف الصحي مسدودة والغياب الواضح للاستثمارات بجانب هذا المصدر الوحيد لتنشيط السياحة الداخلية بهذه البلدية العريقة يعرقل من تطور السياحة بهذه الحمامات والتي تعتبر نعمة من الخالق.