أعجبتني عبارة تناقلها ”الفيسبوكيون”، هذه الأيام، والتي مفادها أن ”الإشاعة يؤلفها الحاقد وينشرها الأحمق ويصدقها الغبي”، وهي التي إن أسقطناها على الواقع فإننا نجد لها مكانا من الإعراب وسط فئات تستهلك كل شيء دون غربلة أو تمحيص، وكأنها تمت برمجتها وفق نمطية انهزامية لا تقبل العلاج. وفي عالم الصحافة تصبح الإشاعة إحدى الأجهزة التي تقاس بها درجة الوعي الجماهيري، وتعرف بها طبيعة الذهنيات وعمق تفكيرها وقناعتها، لكن حال الإشاعة وعكسها ”الخبر” تكون أشبه بالتيمم والماء، فإذا حضر الماء بطل التيمم، بل قد يكون هذا التشبيه تقريبيا، لأن التيمم والماء يصلح كلاهما لكن الإشاعة التي تأخذ مكانا لها في الأذهان والأنفس تزول تماما عندما يتجلى الخبر اليقين، وكأنه نور يبدد سواد الظلام. وإذا حللنا العبارة ”الفيسبوكية” المذكورة فإننا نجد في واقعنا ذلك الحاقد الذي لا يتورع عن نسج المغالطات وحبك التهكمات وكيل الاتهامات بلا وازع ولا ضمير حي، وليس له من هدف إلا مآرب ضيقة لجيوب ملابسه، لكن الأخطر في ذلك أن تجد سلعة الحاقد من يستهلكها بقشورها وأشواكها وأغصانها، وهم أولئك الذين يرددون الإشاعة كمن ”ينعق بما لا يسمع” بشكل مهين لمعنى العقل البشري الذي يميز بين الغث والسمين، والأدهى من ذلك يصدق الغبي ما يردده الأحمق. وفي ظل هذه الوضعية المعقدة يجد المتربصون ضالتهم وينشرون سمومهم في كل مكان لتعفين الأجواء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وعندما تفعل الإشاعة فعلتها في العقول والنفوس، يصبح الأمر سهلا للمرور إلى مراحل أخرى للهدم والردم. وإن أخطر ما يؤثر اليوم على العقول ”غير المؤمّنة” ذلك التفتح الكبير على العالم والتكنولوجيات المتاحة التي اختصرت الزمان والمكان وجعلت العالم قرية صغيرة، يستطيع أن يطلع فيها الانسان على ما يحدث في دقائق معدودات، وكذا وسائل الدعاية التي تتفنن في أساليب الإقناع واللعب بعواطف وأحاسيس الناس من أجل ترويج سلعها وكسب الأموال القارونية ولو على جماجم الإنسانية.