كٌرّم أوّل أمس أيقونة الأغنية الأمازيغية في الجزائر، المرحوم شريف خدام، بحفل فني أحيته مجموعة من الفنانين بقاعة ”ابن زيدون” بديوان رياض الفتح في الجزائر العاصمة، نظّمته وزارة الثقافة وأشرف عليه الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والتي أصدرت ألبوما يجمع أغانيه الخالدة. وقد نشّط الحفل خمسة أسماء كبيرة في سماء الأغنية القبائلية، يتقدّمهم المطرب المخضرم أكلي يحياتن، فريد فراقي، مع تسجيل عودة المطربة المغتربة مليكة دومران في هذا الحدث المرفوع لروح شريف خدام الملقب أيضا ب"موزار شمال إفريقيا”، كما أدّت مجموعة من الأصوات الشابة والواعدة أغاني الراحل. وشدّت كوكبة من الفنانين الجمهور الذي اكتظت به ”ابن زيدون” بأدائهم لأشهر أغاني الفقيد، على غرار ”نادية تومليحت أنتيط” (نادية صاحبة العيون الساحرة) و«بقايت تلها ذا الروح لقبايل” (بجاية الجميلة روح القبائل)، كما جمع هذا الحفل بين أجيال من فناني الأغنية القبائلية من القدماء والمخضرمين، على غرار آكلي يحياتن، امجاهد حميد، كمال حمادي والمطربة مليكة دمران، إلى جانب أصوات شابة على غرار الفنانة الصاعدة جيجي التي أتحفت الحضور بصوتها العذب وأيضا الفنان فريد فراقي وعباس أمغار، وكان مسك ختام هذه الفسيفساء الغنائية الفنان الطيب إبراهيم صاحب الصوت الصداح. كما كانت مناسبة صدور هذه العلبة من الأقراص المضغوطة فرصة لاستذكار شريف خدام والتذكير بمكانته الفنية وموهبته كمطرب، وأيضا كموسيقي وعازف بارع على آلة العود التي كانت أنامله تحوّل كل لمسة إلى ألحان عذبة تدغدغ مشاعر المستمعين وتسافر بهم إلى عوالم أجمل بعيدا ولو للحظات عن هموم الحياة وأشجانها. وأكّد من جهته الفنان كمال حمادي، أنّ شريف خدام أخرج الأغنية القبائلية من المحلية إلى العالمية وأصبحت أغانيه تسمع في أرجاء المغرب العربي الكبير، كما أبرز الفنان امجاهد حميد تميّز شريف خدام وأصالة فنه واطلاعه على الموسيقى الغربية والشرقية وكذا قوّة كلماته وأشعاره التي أثّرت فيه وجعلته، وهو ابن القصبة، يتعلّم اللغة القبائلية ويغنيها. وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي التي حضرت الحفل، أكّدت أنّ صدور هذه العلبة من تسجيلات لأغاني الفنان وهي الأولى ”أقلّ ما يمكن تقديمه تخليدا لروح فنان كبير قدّم أعمالا ذات أبعاد عالمية”، وفي ختام السهرة، سلمت الوزيرة درع التكريم لعائلة شريف خدام تقديرا وعرفانا لما قدمه للأغنية الجزائرية. نجح شريف خدام بفضل إبداعه في ترقية الغناء القبائلي المحلي إلى درجة الأغنية الكلاسيكية العالمية التي بإمكانها أن تعزف في العديد من الأوبرات العالمية، وعمل الراحل لأكثر من خمسة عقود على تطوير الأغنية المحلية ورفعها إلى مصاف الموسيقى الكلاسيكية، كما أبدع بكلماته الراقية في تقديم أجمل الأغاني التي لا تنتهي صلاحيتها مهما مر الزمن عليها. صاحب رائعة ”الدزاير إن شا الله أتحلوظ” (الجزائر إن شاء الله ستشفين)، المغني، الشاعر والملحن الكبير الذي ولد في الفاتح من يناير عام 1927 بقرية آيت بومسعود ولاية تيزي وزو، عرف بأدائه للأغنية الوطنية الداعية إلى الوحدة وحب الوطن، ويعد من أكثر المطربين شعبية واحتراما على الصعيدين الوطني والخارجي، رغم غربته الطويلة في فرنسا، إلا أنه لم يتنكر يوما لوطنيته، جزائريته وانتمائه لوطنه وأمازيغيته، له عدة ألبومات أصدرها منذ الاستقلال، أشهرها ألبومه ”دزاير ثمورثيو” (الجزائر وطني) الذي لاقى نجاحا باهرا في الجزائر وما يزال مسموعا إلى الآن. هاجر إلى فرنسا في سن الخامسة عشرة، حيث اشتغل في وحدة للسباكة، ثم عاملا في ورشة للبناء، قبل أن ينطلق في عالم الغناء بالمقاهي الباريسية، ليؤلف أول أغنية له بعنوان ”إيليس نتمورثيو” (بنت بلادي) عام 1955، بعد أن تعلّم المبادئ الأولية للموسيقى على يد الموسيقار محمد جاموسي. بعدها، عاد شريف خدام مباشرة بعد الاستقلال إلى أرض الوطن، ليشرف ولسنوات عديدة على حصة بالقناة الإذاعية الثانية الناطقة بالأمازيغية بعنوان ”إشنايان أوزكا” (مغنو الغد)، وهو البرنامج الذي ساهم من خلاله في اكتشاف العديد من المواهب التي صارت بعدها رائدة في مجال الغناء، كما ألهم العديد من الأسماء التي سطعت في سماء الأغنية القبائلية، على غرار إيدير وآيت منقلات. توفي الفقيد يوم 23 يناير 2012 بباريس ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه بتيزي وزو عن عمر يناهز 85 سنة، بعد مرض ألزمه الفراش، وبرحيله فقدت الأغنية القبائلية أحد أبرز أعمدتها، ترك وراءه إرثا كبيرا في مجال الأغنية الملتزمة.