كلما حلت مرحلة الحملة الانتخابية لأي استحقاق، تطل على الشعب أصناف من ”المتفيقهين”، الذين يدعون التفلسف السياسي والوعي الاجتماعي والتفتح الديمقراطي، وينصحون هؤلاء وأولئك بالاستماع إلى آرائهم والاقتناع بأفكارهم، حتى ولو كانت مجانبة للصواب ومخالفة للمنطق ومثيرة للفتنة والدمار، ويستعمل مثل هؤلاء ”المتنطعين” كل ما أوتوا من وسائل الإقناع المادية والبشرية،، ولكن الذي يخفونه في أعماقهم هو نزواتهم ولهفهم نحو الشهرة والتملق السافر، كونهم لا يظهرون إلا في مثل هذه المناسبات، ويدخلون في سبات عميق بعدها. وإذا نظرنا إلى بضاعة هؤلاء المتفيقهين والمتنطعين فإننا سنجد أن معظمها منتهية الصلاحية فقد استعملت مرارا وتكرارا، ولم يأت أصحابها بالجديد. ومن أراد أن يغرس شجرة التغيير لا يمكنه بحال من الأحوال أن يستعجل قطف الثمار، ويكون حاله كحال قصة الأحجية الشعبية التي تحكي أن أحدا وجد حبة فول، فراح يدفنها في التراب ويقول لها: أيتها الفولة: ”اليوم عرقي (أي مدي عروقك) وغدا ورقي (أي أخرجي أوراقك) وبعد غد ذوقي (أي أرنا ثمرتك نذوقها)، وهو أمر غير منطقي لا تقبله نواميس الكون، وكذلك للبشر طموحات ونزوات لا توجد إلا في عالم الخيال، فلنحذر مثل هؤلاء الذين يدسون السم في العسل وينتهزون المناسبات والفرص لاستغباء الناس. والأغرب أن مثل هذه الفلسفة التي ”تسود” كل شيء وتدعو إلى التشاؤم والتوجس وانتظار المكروه بعيدة كل البعد عن منطق الأشياء وهي مدعاة إلى عدم تحكيم العقل والضمير في الحكم على الأشياء دون إكراه أو تضليل. نقول هذا كون الحملة الانتخابية التي كانت مسرحا لنشر الغسيل وتصفية الحسابات السياسية من جهة ودعوة إلى كسب الأصوات، من جهة أخرى، تركت الفئة التي لم تجد مكانا لها من الإعراب وسط القاعدة الشعبية في حرج كبير جعلها تخرج عن صمتها وتعوض هذا النقص بالدعوة إلى المقاطعة، وهي الفكرة التي لا تزيدهم إلا ابتعادا عن ميدان العمل والنضال المستمر والتعبئة الجماهيرية الإيجابية وتنوير الناس بما يجعلهم أكثر تحضرا ووعيا وإقبالا على العمل لا القول.