رحل الأديب الكولومبي الكبير غابريال خوسي غارسيا ماركيز، صاحب نوبل للآداب سنة 1982، في منزله في مكسيكو بعد بضعة أيام من نقله إلى المستشفى، إثر إصابته بالتهاب رئوي، وأحرقت جثته في نفس اليوم الذي توفي فيه (الخميس الفارط)، وسط جو من الحزن الشديد أصاب كل بقعة من العالم أُضيئت بأدبه الفذ. بهذه المناسبة، أعلن الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام حزنا على رحيل غابرييل غارسيا ماركيز، أحد أكبر الكتّاب باللغة الإسبانية، وقال سانتوس بأنّ ”كولومبيا برمتها في حداد بعد رحيل مواطنها الذي شكّل أكبر مصدر إعجاب في تاريخ البلاد، حيث كان - ولا أبالغ في القول - الكولومبي الذي رفع اسم البلاد إلى أعلى المستويات وأوسع نطاق”. وكتب الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس على حسابه في ”تويتر”؛ ”مائة عام من العزلة والحزن على وفاة أكبر كولومبي في التاريخ”، في إشارة إلى الرواية الشهيرة ”مائة عام من العزلة” التي اشتهر الروائي بفضلها وصدرت سنة 1967 وتمت ترجمتها إلى 35 لغة، حيث بيعت منها أكثر من 30 مليون نسخة. وعم الحزن كل محبي أدب ماركيز، وهم كُثر، وقدّم الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو التعازي باسم بلاده، مشيرا في حسابه في ”تويتر” إلى أنّ الكاتب ”المولود في كولومبيا استقر في مكسيكو منذ بضعة عقود، مثريا بالتالي حياتنا الوطنية”. من جهته، أشاد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ”بالموهبة الفريدة من نوعها في الخيال ووضوح الأفكار والنزاهة العاطفية” التي كان يتمتّع بها الكاتب الذي ربطته صداقة به طوال 20 عاما، أمّا الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، فقال بأن العالم ”فقد واحدا من أهم الكتاب الروائيين”، وفي المقابل نوّه الكاتب البرازيلي باولو كويلو بالروائي ”الذي كسر الجدار بين الحقيقة والخيال، ممهّدا الطريق لجيل من الكتاب الأمريكيين اللاتينيين”. وانضم الرئيس الكوبي راوول كاسترو إلى باقي رؤساء المنطقة مؤكّدا على أنّ ”الكوبيين فقدوا صديقا كبيرا محبا ومخلصا” متقدّما ب”أصدق تعازيه” إلى أسرة الفقيد، وأضاف راوول كاسترو الذي كان شقيقه فيدال صديقا مقربا لغارسيا ماركيز، أنّ ”أعمال أمثاله من الرجال لا تموت”. ومن أوروبا، بعث رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، برقية يعبّر فيها باسم بلاده عن ”مشاعره الصادقة وإعجابه بالكاتب الأكثر عالمية لأدب اللغة الإسبانية في القرن العشرين”، مثلما أشاد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ب”عملاق الأدب الذي أعطى إشعاعا عالميا لخيال قارة كاملة”، أمّا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فأشاد بدوره ب”صديق حميم لروسيا” و”كاتب ومفكر عظيم.. ومدافع عن قيم الإنسانية والعدالة”. من جهته، أصدر الأديب البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل في الآداب، بيان تعزية جاء فيه؛ ”توفي الكاتب العظيم الذي منحت أعماله الأدب في اللغة الإسبانية انتشارا واسعا، مثلما أعطت هيبة للأدب في جميع بلدان العالم، رواياته ستبقى على قيد الحياة وستكسب مزيدا من القرّاء في كل مكان، أبعث بالتعازي إلى كل أفراد عائلته”. وقال بيتر إنغلوند، أمين عام أكاديمية نوبل المانحة لجوائز نوبل في السويد؛ إنّ ”فنانا عظيما رحل، لكن فنه باق معنا، معظم الكتّاب ما هم إلا ظلال، لكن ماركيز كان ممن يصنعون الظلال، وسيبقى فنه لوقت طويل بعد رحيله”. صداقة وطيدة أيضا جمعت المطربة الكولومبية شاكيرا بالكاتب غابرييل غارسيا ماركيز الذي كتب عنها تحقيقا مطولا، وفي هذا السياق، غردت شاكيرا على موقع التواصل الاجتماعي ”تويتر” وكتبت كلمات فيها من الدفء الكثير حول شعورها تجاه الأديب الراحل؛ ”عزيزي غابو، قلت ذات مرة بأن الحياة ليست ما عاشها الإنسان، لكن ما يتذكّره وكيف يتذكّره ليرويه، حياتك عزيزي غابو نتذكّرها كهدية فريدة لا تتكرر، وبوصفها الأكثر أصالة من بين جميع الحكايات”. ولد الأديب الكولومبي غابريال خوسي غارسيا ماركيز في السادس مارس من عام 1927 بأراكاتكا الكاريبية، القرية الكولومبية التي تقرع فيها الأجراس وتضيء الشموع وتنتثر الورود الصفراء حوله، ليتوفي عن عمر ناهز 87 عاما في ضواحي مدينة مكسيكو سيتي. ويعدّ غارسيا من أعظم أدباء العالم، عرفت رواياته انتشارا واسعا ونجاحا منقطع النظير، نذكر ”مائة عام من العزلة” (1967)، ”الحب في زمن الكوليرا” (1985)، ”ليس للكولونيل من يكاتبه” (1961)، ”خريف البطريرك” و”قصة موت معلن”(1981)، وصدرت آخر رواية له عام 2004 تحت عنوان ”مذكرات غانياتي الحزينات”، كما ظفر بجائزة ”نوبل” للآداب سنة 1982، وأشادت الأكاديمية بأسلوب كتابة ”يمتزج فيه الخيال والواقع في إطار شعري يعكس نزاعات قارة والحياة اليومية فيها”. واكتسب ماركيز شهرته لتفرّده في فن الواقعية السحرية، وهو لون أدبي يمزج الخيال والواقع بأسلوب يجعل الخارق يبدو طبيعيا، كما استطاع بكتاباته مزج سحر أمريكا اللاتينية ومتناقضات الحياة في أذهان الملايين من الناس. كما كان ماركيز صحفيا لامعا، وظهر عمله الصحفي في ”خبر اختطاف”، تناول الكتاب غير الروائي أحد أكبر متاجر المخدرات، ويدعي ”ميدلين”، يديره بابلو إسكوبار، أحد أكبر مروجي المخدرات في كولومبيا وتوفي عام 1993. كان ماركيز رمزا سياسيا وأثارت صداقته بالرئيس الكوبي السابق فيدال كاسترو بعض الجدل في الأوساط الأدبية والسياسية في أمريكا اللاتينية، لكنه أصر على أنّ هذه الصداقة مبنية على الكتب، وقال في حوار؛ ”فيدال رجل مثقف، وعندما نلتقي نتحدث عن الأدب”.