أحيت دولة جنوب إفريقيا، أمس، الذكرى العشرين لأول انتخابات متعددة العرقيات التي أشّرت على قبر نظام "الابارتييد" العنصري في مراسيم رمزية حضرها ملايين الناخبين الجنوب إفريقيين في حدث تاريخي في مسار كفاح الإنسانية. وكانت تلك الانتخابات التي خاضها الزعيم الجنوب الإفريقي الراحل، نيلسون مانديلا، بمثابة نهاية نظام عنصري جثم على صدور شعب بأكمله لأكثر من ثلاثة قرون، جعل السكان البيض أسيادا والسكان الأصليين من الزنوج ومختلف العرقيات الأخرى مجرد عبيد لا حقوق لهم في بلد أجدادهم. وكان يوم 27 أفريل 1994، يوما مفصليا في تاريخ القارة الإفريقية وكل الإنسانية، لأنه وضع حدا لنظام فرضته أقلية من المستوطنين الهولنديين والبريطانيين الذين استوطنوا تلك الأرض الإفريقية، واستأثروا بخيراتها أبا عن جد طيلة قرون. ورغم مرور عقدين من وقوع الانعتاق من نير الرق الاستعماري البريطاني، فإن الجنوب إفريقيين لم ينسوا ذلك الحدث واستعادوا ساعاته حدثا حدثا، وقد ترسخت في أذهانهم تفاصيلها ولم يجدوا بدا من استعادة تلك اللحظات التاريخية أمس، أمام مقر الحكومة. وفي كلمة ألقاها بمناسبة هذا الحدث التاريخي، لم يفوت الرئيس جاكوب زوما، الإشارة إلى "الدماء والعرق والدموع التي سالت على أرض جنوب إفريقيا" إلا من أجل أن يحصل أبناء هذا الشعب على حقه في التصويت الذي حرموا منه. وقال زوما، إنه يأمل في أن يستغل الجنوب إفريقيين مثل هذا الحدث التاريخي، داعيا الناخبين إلى المشاركة بالملايين في الانتخابات العامة التي ينتظر أن تشهدها جنوب إفريقيا في السابع ماي القادم. وقال الرئيس الجنوب إفريقي مخاطبا أنصاره وهو يطمح للفوز بعهدة رئاسية ثانية "صوتوا دعما للديمقراطية ولكل النجاحات التي حققتها دولتنا الفتية". يذكر أن أولى انتخابات تعددية في هذه الدولة الفتية جاءت تتويجا لمفاوضات شاقة وعسيرة بين مختلف أطياف المجتمع الجنوب إفريقي وفعالياته السياسية، أدارها الزعيم الراحل نيلسون مانديلا، والسلطات العنصرية بحكنة كبيرة وسمحت لهذا البلد من تفادي الانزلاق في متاهة حرب أهلية كان الجميع يتوقعها في بلد خرج لتوه من نظام حطم مقومات شعب بأكمله، ولكن الزعيم الجنوب إفريقي الرمز تمكن بفضل حكمته وقوة شخصيته الكارزمية من اخماد كل دخان كان يمهد لحرب أهلية بين أبناء الشعب الواحد، بفضل صياغة دستور جامع جعل كل مكونات الشعب الجنوب إفريقي، وإثنياته يخرج راضيا بمواده. وهو الرضا الذي رسخته صورتان في أذهان العالم وكل شعب جنوب إفريقيا، واحدة تخص الرئيس نيلسون مانديلا، عندما رفع يده رافعا ورقة تصويته قبل وضعها داخل الصندوق سنة 1994، وهي نفسها اليد التي رفعها وهو يغادر سجن روبن ايسلاند الشهير، الذي قبع فيه طيلة 27 عاما، أما الصورة الأخرى فقد شكلها ملايين الناخبين الذين اصطفوا في طوابير لا متناهية وهم ينتظرون دورهم في أجواء من الابتهاج، وقد تناسوا خلافاتهم أمام حدث بأهمية وضع حد لنظام استعبدهم جميعا دون تمييز بين أصولهم وعرقياتهم. وخلّد الرئيس الجنوب إفريقي الراحل، تلك الصورة بخطاب قال فيه إنه "يوم لا يشبهه أي يوم لأنه منحنا ولأول مرة الحق في التصويت الحر والعادل، إنه فجر حريتنا".