صنعت جمعية “جسور” للفنون والتراث الشعبي بولاية قسنطينة الفرجة داخل أسوار المركز الثقافي “محمد اليزيد” ببلدية الخروب، من خلال تنظيمها لمعرض متنوّع زيّنته أنامل حرفيات أبدعن في مجال صناعة الألبسة التقليدية، الحلويات، المفروشات وتقطير الورد وغيرها من الحرف التي تبرز تقاليد عاصمة الشرق وتميّزها عن غيرها من تقاليد ولايات الوطن الأخرى. أقبل المواطنون على المعرض التقليدي الثقافي الذي تمّ افتتاحه تزامنا وشهر التراث الذي انطلق في 19 من شهر أفريل المنقضي، ويستمر إلى غاية ال 19 من شهر ماي الجاري، فيما اختتمت جمعية “جسور” برنامجها يوم الأربعاء الماضي بعد أكثر من أسبوع من تقديم العروض الفلكلورية والأعراس الجزائرية. في حديثه مع “المساء”، أكّد السيد خالد وليد رئيس الجمعية، بأنّه يعمد خلال كلّ سنة إلى إضفاء صبغة جديدة على مشاركته في شهر التراث، حيث فضّل هذه السنة أن يبرز تقاليد الأعراس الجزائرية بتنظيم عرس لكلّ منطقة، منها العرس القسنطيني، الشاوي، القبائلي، الترقي، العاصمي والتلمساني، وهي المبادرة التي لاقت استحسان العديد من النساء الوافدات على المعرض منذ افتتاحه، مما جعل المهتمات يبدين رأيهن في تقاليد منطقة معيّنة بحكم جذورهن أو أقاربهن. وخلال الجولة الاستطلاعية التي قامت بها “المساء” ببهو المعرض، لفت انتباهها قوارير زجاجية لما يعرف بماء الزهر والورد، بعد أن جذبتها تلك الرائحة الزكية المنبعثة منها، فأبت ألا تمر هكذا دون أن تتحدّث وصاحبة هذه الحرفة التي تشتهر بها النساء القسنطينيات أبا عن جد، حيث أوضحت السيدة “أ” أنّها ورثث الحرفة عن أمها وجدتها ومن المعروف أنّ مدينة سيرتا رائدة في مجال تقطير ماء الزهر والورد الذي يعتبر ضرورة في فصل الربيع. وعن مراحل التقطير، قالت بأنّ العملية تستغرق يوما كاملا، خاصة أنّه يتم جمع لترات قليلة منه على شكل قطرات مائية تنبعث من إناء أشبه بقدر مصنوع من النحاس خاص بالتقطير، يعرف لدى سكان قسنطينة ب”القطّار” ونبتة الزهر بيضاء اللون، وتتم العملية عبر مراحل؛ أهمها الكمية الأولى التي يسمونها ب”رأس القطّار” والكمية الثانية، أمّا الثالثة فتسمى “الجر”. وأطلعت السيدة “أ”، “المساء” على طقوس جميلة يستعملونها عند التقطير في كلّ سنة، إذ يقيمون عشاء تقليديا وتلبس المرأة التي تقوم بعملية التقطير أحسن الثياب، وبعد التقطير تصنع حلوى “الطمينة” بماء الورد، أما الماء الذي يوضع بقدر القطّار فتغسل به المفروشات حتى تفوح الرائحة العطرة بكامل أرجاء المنزل، ويجهز بالتالي ماء الزهر والورد المقطّر للاستعمال في الحلويات التقليدية ك«البقلاوة” و«المقروظ” وغيرهما، كما أنّ استعمالات ماء الورد تتعدى ذات لتستخدم كدواء للعين وتصفية البشرة. من المعروف أنّ قسنطينة تشتهر بالحلويات التقليدية اللذيذة التي تكون حاضرة في كل المناسبات والأفراح، على غرار الأعياد والمواسم الدينية، الختان والأعراس ومنها من لا يزال يحافظ على طابعه كحلوى “البقلاوة” و«المقروظ” و«طمينة اللوز”، ومنها من تمّ عصرنتها وإدخال الجديد عليها، وفي هذا السياق التقت “المساء” داخل المعرض بالسيدة بوحجر المتخصّصة في صناعة الحلويات التقليدية القسنطينية، وبحكم أنّها من عائلة قسنطينية ورثتهم الوالدة الحرص على اللباس القسنطيني القديم، إلى جانب الحلويات، حيث أكدت أنها تسعى دائما من خلال مشاركاتها في مثل هذه المعارض، إلى إعادة بعث الحلويات القديمة التي تراجعت بشكل كبير كحلوى “الصامصة” و”بوراك الرنة” وما يعرف ب«شريك الكروانة” الذي يتم طهيه على الفحم، إلى جانب أكلة “الطبيخ” التي عادة ما كانت تحضّر في مناسبات الأعراس وشهر رمضان الفضيل، وهي الأكلات التي رغم تراجعها إلاّ أنّها تلقى إقبالا كبيرا من طرف الوافدين في مثل هذه المعارض، خاصة من قبل أولئك الذين يعشقون التراث القديم ويحبون معرفة كلّ صغيرة وكبيرة عن مثل هذه الأكلات، بل يطلبون طريقة تحضيرها. السيدة بوحجر عبّرت ل«المساء” عن مدى فرحتها باختيارها للمشاركة في معارض الطبخ والأكلات الشعبية خلال تظاهرة “قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015”، إذ وعدت بالأفضل حتى تساهم في إحياء تراث قسنطينة القديم وتبرهن للعالم العربي ككلّ أنّ قسنطينة لها تراث عريق وتاريخ أصيل وحلوى طيبة يشتهيها الكبير قبل الصغير. وكان العرس التقليدي الجزائري حاضرا بهذا المعرض، حيث عمدت جمعية “جسور” للفنون والتراث الشعبي إلى تنظيم أعراس منها القبائلي، التلمساني، الشاوي، العاصمي والقسنطيني وغيرها من الأعراس الجزائرية، بهدف التعريف بتقاليد كلّ منطقة وإعطاء الفرصة للزوّار من أجل عيش، ولو بجزء بسيط، أفراح مناطق الجزائر.