بعد صبر طويل، أبدى الباعة المتجولون المنتشرون حول الزاوية التجانية بقسنطينة تحمّسهم لإعادة تهيئة السويقة التي انطلقت بها الأعمال منذ أسابيع قليلة، أمام حركة العمال القائمين على أشغال ترميم سيرتا العتيقة، وأعرب هؤلاء الباعة الذين أخذوا في التعود على حركة العمال المتواجدين بعين المكان، عن آمالهم في أن تصبح هذه الزاويا ”الأجمل في العالم”، تشجيعا للمعماريين الشباب المكلّفين بترميم بعض مساجد وزوايا القطاع المحمي. وبين الدكاكين الصغيرة للمدينة التي كثيرا ما تكتسح بضائعها الأرصفة ونشاط فرق ديوان تسير واستغلال الأملاك الثقافية، تعيش هذه المدينة التي تعرف تدهورا في عمرانها، حيوية ونشاطا أعادا للسكان الثقة في أن يجسّد مخطّط إنقاذ الموقع بعد عشرات السنين من الانتظار. بعد أسبوع من بداية أشغال الفرز، تمكّن العمال من إخراج زاوية ”سيدي امحمد لغراب” الواقعة في الجانب السفلي من ”السويقة” من بين المخلّفات، بعد ”فرز واسترجاع” المواد، كما أكّده المهندس المعماري المكلف بالموقع. من جهتها، توجد دراسة إعادة ترميم الضريح حسب نموذجه الأصلي في طور التحضير، حيث خرج هذا الموقع الذي يلتقي فيه اليوم العمال بالزوّار من ”دائرة الخطر”، حسبما أكّده المهندس المسير للأشغال. كما استفاد قصر دار الدايخة -الذي يعدّ إقامة نجلة أحمد باي، آخر بايات قسنطينة (1826 إلى 1837)- من أشغال استعجالية سمحت بعد شهر من انطلاقها بتأمين الجانب الظاهر من هذه التحفة المعمارية مباشرة بعد إخلائه من قاطنيه، وتبقى هذه البناية المتضررة التي لم تكشف عن كل أسرارها ”شامخة”، رغم سقوط إحدى واجهاته إثر انهيار منزل مجاور. فرغم تدهورها، ما تزال الأطر التجميلية المصنوعة من الخشب والديكورات التجميلية فائقة الدقة شاهدة على بريق الماضي لهذا البيت الذي أصبح بحاجة إلى ”ترميم حقيقي وعاجل”، يؤكد أحد المقاولين المكلفين بالأشغال. وتوجد العديد من الأماكن الأثرية، من بينها سوق العصر والشارع ودرب بن شيخ لفقون ومسجد الباي ومدرسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، مسجلة في البرنامج الأول الذي يستثني بعض الأملاك الخاصة، وفي هذا الشأن، يوضح مدير ديوان تسيير واستغلال الأملاك الثقافية بأن هذا البرنامج الأوّل -الذي يعتبر ك”تمهيد” لتسريع وتيرة تطبيق فعلي لمخطط الحفاظ المصادق عليه من طرف المجلس الشعبي لولاية قسنطينة في نهاية عام 2012 - يبقى تطبيقه الفعلي ”مرهونا” بصدور قرار وزاري مشترك. ويرى مهندسون من ديوان تسيير واستغلال الأملاك الثقافية، أن تطبيق مخطط الحفاظ على المدينة العتيقة لقسنطينة، المستوحى من مخطط قصبة الجزائر العاصمة يعدّ أقل إشكالا، على عكس تطبيق برامج الترميم بالعاصمة، حيث أن إعادة إسكان سكان القصبة أضحى مسألة شائكة إذ ”تم تسجيل أغلب قاطني المدينة العتيقة بقسنطينة في برامج السكن” للولاية، حسب ما أكّده أحدهم. في المقابل، يشكّل تأمين الموقع وما جاوره من أسواق تجارية وقلة المخططات والأرشيف صعوبات تعيق تطبيق هذا البرنامج، كما يتأسّف جامعيون من قسنطينة من جهة أخرى، من عدم إشراكهم في إعداد المخطط رغم حضورهم جلسات العمل الأولية التي جمعتهم بإطارات من وزارة الثقافة. وتظل شروط مساهمة الجامعيين مع المؤسسات المعنية بترميم التراث ”غير متطابقة”، حسب ما أكّدوه، خصوصا أن الواقع أثبت ميدانيا ”ضرورة إشراك” هذه النخبة التي تتشكّل في غالبيتها من مهندسين ومؤرخين وعلماء الآثار وفنانين، أعربوا عن تخوفاتهم من المصير الذي ستؤول إليه المواقع الأثرية البونيقية والرومانية المدفونة تحت المدينة الحالية، هذه المخاوف، ازدادت بعد أن أقر المخطط الخاص بالحفاظ على المدينة العتيقة لقسنطينة - الذي جاء في إطارالتحضيرات لتظاهرة ”قسنطينة عاصمة الثقافة العربية” عام 2015- بتحويل هذه المعالم الثقافية للمدينة العتيقة بعد ترميمها إلى متاحف ومراكز للفنون والمهن.