نشطت السيدة بلموهوب، الملقبة بأم حمزة، هاوية وباحثة في الطبخ الجزائري مؤخرا، محاضرة تحت عنوان؛ «الأكلة الشعبية في منطقة أم البواقي»، بمناسبة شهر التراث، ثمنت من خلالها مجهودات المرأة الجزائرية التي تشتهر بقوة نضالها على مختلف الأصعدة وقدرة ابتكارها، خصوصا فيما يتعلق بفن الطبخ، لاسيما أنها قديما كانت محافظة ولا تحتك مطلقا ببقية الحضارات، مما جعل الباحثة تطرح سؤالا مهما؛ من أين استمدت المرأة الجزائرية هذا التمكن في تحضير الأطباق؟ أشارت المتحدثة خلال المحاضرة التي ألقتها بقصر الثقافة، إلى أن الجزائرية متميزة عن بقية نساء العالم، فهي امرأة قوية ومحافظة وربة بيت مثالية تمكنت انطلاقا من مكونات بسيطة، من أن تبدع في مأكولات صنعت تاريخ الطبخ الجزائري قبل وبعد الثورة الجزائرية، خصوصا أنها كانت لا تتخطى عتبة باب بيتها، كما أنها لا تخرج للترحيب بضيوفها الرجال وإنما تكتفي بتحضير أشهى الأطباق والمأكولات لهم لتعبر بذلك عن كرمها وترحابها بهم. تهتم الباحثة بدراسة التراث الجزائري بصفة عامة، وهي بصدد تدوين 4 كتب حول روائع الجزائر وما تزخر به المناطق التي تشكل فسيفساء من التقاليد والعادات. وركزت السيدة على منطقة الشاوية وكرست وقتها في البحث عن أدق تفاصيل حضارة هذه المنطقة، لاسيما في فن الطبخ، حيث قامت بتأليف كتابين حول الطبخ الشاوي التقليدي، وآخر تحت عنوان؛ «الأكلة الشعبية في منطقة أم البواقي»، طبعته وزارة الثقافة نظرا لما له من علاقة بالتراث الجزائري. وتتهيأ لتأليف كتاب جديد، وهو طبي، بوصفات خاصة بمرضى «السيلياك»، لمساعدة هذه الفئة على تناول الأطعمة كبقية الأشخاص، لكن بكميات ومكونات صحية غير مضرة. وأشارت الباحثة خلال حديثها ل«المساء»، إلى أن الفضل في تناولنا هذه الأطباق يعود إلى نساء «زمان»، أي أسلافنا وجداتنا، وقالت في معرض حديثها: «إن المرأة قديما كانت محدودة الثقافة ولم تحتك بحضارات غربية أو مشرقية، ولم يكن لديها تلفاز يبث برامج طهي، أو شبكة أنترنت تعرض صفحات كاملة خاصة بالطبخ من جميع ربوع العالم، كما هو متوفر حاليا، وإنما كانت إبداعاتها من إنتاج فكرها وما كانت تستدعيه الحاجة. ولعل أهم سؤال يتبادر إلى ذهن الباحث هو؛ كيف كان للمرأة ذكاء التنسيق بين المكونات والنكهات للحصول على أطباق لايزال المجتمع الجزائري إلى يومنا هذا وبعد عقود من الزمن، يحافظ عليها ويسهر على إبقائها على ذوقها الأصلي وبكونها طعاما صحيا ويحقق ذروة الإشباع. كما مجدت المحاضرة نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية، حتى المرأة الماكثة في البيت التي لم تخرج إلى الشوارع آنذاك وصفتها بالمجاهدة، لاسيما أنها كانت تطبخ للمجاهدين الذين كانوا يحطون رحالهم عبر المنازل خلال تنقلهم من منطقة إلى أخرى، وكانت المرأة في كل بيت ترحب بهؤلاء وتقدم لهم بكل إيثار أشهى ما لديها وتحرص على إشباعهم قبل خروجهم من البيت قصد الجهاد. ومن أشهر الأطباق التي كانت تقدمها النساء آنذاك، تلك التي تطلق عليها تسمية «يوقف الركايب»، ويقصد بها الأطباق التي بها سعرات حرارية مرتفعة لاحتوائها على كميات غنية من السكريات والدهون والنشويات التي يحتاجها جسم المجاهد لساعات طويلة، «البربوشة» وهو كسكسي المنطقة، إلى جانب طبق «الزيراوي» الذي يحضر بالزبدة الطبيعية، العسل الحر و«الغرس»، حيث تطهى «الكسرة»، تطحن وتخلط مع المكونات الأخرى ويقدم مع الحليب، وهو معروف بطبق المجاهدين، فهو بطيئ الهضم، لذا يحقق الشبع ليوم كامل. في مطبخ أم البواقي، تستعمل العديد من البهارات والنكهات أهمها الكزبرة، الكروية، الفلفل الأسود والفلفل الأحمر، وإعداد الطعام بها سهل مقارنة ببعض الولايات الأخرى، تؤكد المتحدثة. وتشير أم حمزة إلى أنه رغم تطور الطبخ وابتكار وصفات جديدة، خصوصا في الحلويات، إلا أن الطبخ التقليدي له مكانة خاصة لدى الشعب الجزائري، وتضيف قائلة: «هذا ما لاحظته خلال تحضيري لعزائم كثيرة وتنويع مائدة القهوة بمختلف الحلويات العصرية المصنوعة أساسا من الجوز واللوز والبندق وما إلى ذلك، إلا أن البعض لا يزال يطلب مني قطعة من «الكسرة» المحضرة في البيت أو «السفنج» أو الفطائر المحضرة بالمسمن و«البغرير»..، رجالا ونساء.