مرة أخرى تسكت العدالة الدولية دهرا وتنطق كفرا، فها هي بعد الصمت الذي رافق المجازر التي اقترفتها وتقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين منذ ستين سنة، وبعد الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها في لبنان، يستيقظ ضميرها لخلاف داخلي سوداني رغم المآسي التي تخلفها مثل هذه النزاعات على المستوى النفسي والإجتماعي والسياسي. وبدل أن تبحث عن حلول سلمية تفاوضية لتجاوز الأزمة، ها هي تصب الزيت على النار بالإقدام على ضرب السودان في رأس سلطته بإصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مذكرة باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، وهي الخطوة التي لا يشك أحد في أنها ستزيد الهوة بين الفرقاء المتنازعين وتذكي نار الحقد في المعسكرين وتغلق الباب في وجه كل مبادرة أو إرادة حميدة عند هذا الطرف أو ذاك لتجاوز الخلافات والجلوس إلى طاولة الحوار لحل الأزمة في إطارها السلمي الذي تسهم فيه قوى خيرية كثيرة في إفريقيا ومن خارجها. وأكثر من ذلك فقد وضع المدعي العام للمحكمة الجنائية كثيرا من الأنظمة السياسية في موقع الحرج خاصة تلك التي تنظر بعين الانصاف إلى الشعوب بغض النظر عن شمالييها وجنوبييها غنيها أو فقيرها ما دامت أعضاء في المجموعة الدولية، والتي تجد نفسها محرجة بين التحامل على هذا النظام لأنه من العالم الثالث وبين السكوت عن ذلك من الدول الشمالية التي تعمل في ظل العولمة الأحادية القطبية على فرض قيمها على العالم بحد السلاح ولو تطلّب الأمر محو بلدان من الخريطة.